وليد سليمان - عن ارتباطي بالذكريات الخاصة والجميلة المتعلقة بالمطرب العاطفي الاول في الوطن العربي « عبد الحليم حافظ « سوف أرويها بدءا من الزمن المعاصر ثم رجوعا للزمن القديم ..وذلك لأنني وقبل أيام وعندما مرت ذكرى 35 عاما على رحيل العندليب الاسمر ، تذكرت أنني شاهدت قبل أشهر مقهى جديد يسمى( مقهى حليم ) بالقرب من الجامعة الاردنية ، ولم أكن قد دخلته من قبل .. فذهبت إليه وكانت أغاني عبد الحليم تصدح في أرجائه ليستمع ويستمتع بها رواد هذا المقهى الراقي في عمان ..لكن المسؤولين فيه أكدوا لي أنهم سيضعون صورة ضخمة لعبد الحليم وهي في طور التجهيز ، رغم وجود بعض الصور الصغيرة جدا لعبد الحليم ملصقة على الجدار 0
لكنني وقبل حوالي السنة وعندما هبطت بنا الطائرة في مطار القاهرة ذهبنا في الحال للفندق وبعد استراحة سريعة توجهنا نحن الاصدقاء الى مقبرة البساتين الشهيرة لزيارة قبر عبد الحليم حافظ حيث قرأنا على روحه سورة الفاتحة رحمه الله 0
وعبد الحليم المولود في العام 1929 كان قد درس وهو شاب الموسيقى وقد حصل على بكالوريوس من المعهد العالي للموسيقى العربية قسم التلحين ثم بدأ مشواره الفني مدرسا للموسيقى ثم مطربا وممثلا في العديد من الافلام المصرية الشهيرة حتى بلغت أغانيه العاطفية والوطنية والدينية نحو( 300 ) أغنية 0
سينما البتراء وفيلم الخطايا
وأذكر ان اول فيلم شاهدته للمطرب والممثل عبد الحليم حافظ كان فيلم ( الخطايا ) وهو من إخراج حسن الامام عام 1962 وبالاشتراك مع الممثلين عماد حمدي وناديه لطفي وحسن يوسف ومديحة يسري , وقد حضرت هذا الفيلم في تلك السينما الفخمة البتراء في عام 63 او 1964 مع والدي وشقيقي و شقيقتي الاكبر مني سناً في حفلة ليلية .. وكان الاقبال على حضور هذا الفيلم من جمهور عمان كبيراً .. وقد عرض ايضاً فيما بعد في سينما الخيام .
وأحداث هذا الفيلم تروي قصة ميلودرامية مؤثرة حيث الاب عماد حمدي والام مديحة يسري ولهما ولدان هما حسن يوسف و عبد الحليم اللذان يدرسان في الجامعة , ويحب عبد الحليم نادية لطفي ويريد ان يخطبها ويتزوجها فيرفض والده بشدة لأنه يريد تزويجها لحسن يوسف ابنه الحقيقي .. ويطرد عبد الحليم خارج البيت بعد ان صفعه والده كفاً قوياً على وجهه .. حيث كان هذا المشهد مؤثراً جداً في نفوس المشاهدين حتى اجهش بعضهم بالبكاء بينما كان عبد الحليم حافظ في اللقطة التالية يغني اغنية وجودية حزينة يقول فيها مثلاً :
جئت لا اعلم من اين
ولكني اتيت
ولقد ابصرت امامي طريقاً فمشيت
و سابقى سائراً
إن شئت هذا أم أبيت
وهذه الاغنية من تأليف الشاعر إيليا ابو ماضي وكانت بعنوان لست ادري.
هذا ويعتبر هذا الموقف في الفيلم من اكثر ادوار عبد الحليم حافظ إتقاناً وجمالاً فنياً وصدقاً في السينما العربية عموماً حيث اثبت قدرة عبد الحليم كممثل درامي رائع غير انه مطرب .
وفي فيلم الخطايا قدم عبد الحليم عدة اغان شهيرة وهي : قولى حاجة , لست أدري , مغرور , وحياة قلبي وافراحه – تلك الاغنية التي ظلت تردد في معظم الإذاعات العربية في كل مناسبة نجاح للطلاب سواء كانوا في الثانوية او الجامعة لما فيها من بهجة وفرح ونجاح في الدراسة , ثم هناك اغنية الحلوة الحلوة – ويقال ان هذه الاغنية الجميلة كذلك لم تكن واردة في سياق قصة الفيلم .. لكن المخرج ادخلها مع التمثيل بعد الانتهاء من الفيلم و أضيفت باللحظات الأخيرة للفيلم عن طريق المونتاج .
ومن المعروف ان فيلم الخطايا هو الفيلم الرابع عشر من افلام عبد الحليم حيث سبقها ( 13 ) فيلما سينمائيا مثلها منذ العام 1955 بدءاً بفيلم لحن الوفاء ثم ايام وليالي , ليالي الحب , ايامنا الحلوة , دليلة, موعد غرام , بنات اليوم , الوسادة الخالية , فتى احلامي , حكاية حب , شارع الحب , يوم من عمري . ثم تلاها بعد الخطايا فيلم معبودة الجماهير عام 1967 , وأبي فوق الشجرة عام 1969 .
وسينما البتراء والتي شاهدت فيها الخطايا هي سينما قديمة جداً كانت اول سينما للافلام الناطقة وقد أسسها عدة مساهمين في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي ومنهم مثلا : توفيق قطان , يوسف المعشر , رفيق صلاح ... الخ . وكانت هذه السينما تعتبر أول سينما أنشئت في عمان قد احترقت في الستينات وتوقفت عدة سنوات ثم أعيد بناؤها كسينما شعبية ثم اختفت كلياً عن الوجود وأقيم مكانها محلات لتجارة الاقمشة في منتصف الثمانينات .. وكانت هذه السينما تقع ما بين سوق اليمانية وسوق السكر في شارع البتراء خلف الجامع الحسيني تقريباً .
سينما الحسين ومعبودة الجماهير
أما سينما الحسين والتي أنشئت في العام 1960 واطلق عليها لقب الفخمة فقد شاهدت فيها في العام 1967 أو 1968 الفيلم الشهير الآخر لعبد الحليم حافظ مع البطلة شادية , وكان من اخراج المخرج حلمي رفلة وقصة مصطفى أمين , وشارك بالبطولة ايضاً فؤاد المهندس ويوسف شعبان وحسن فائق وزينات صدقي .. وقد استمر العمل والتمثيل في هذا الفيلم مدة طويلة ( 4 ) سنوات وذلك بسبب مرض عبد الحليم والنزيف المعوي الذي لازمه , وكان يسافر كل فترة الى لندن للعلاج !! ويبدو أثر ذلك على بعض لقطات الفيلم كيف كان عبد الحليم في بعضها يتميز بالحيوية وفي اخرى بالهزال الشديد مثلاً .. ومع ذلك لم يؤثر هذا في نجاح وشعبية هذا الفيلم الجماهيري الناجح ايضاً لعبد الحليم وشادية ..
وقد حضرت هذا الفيلم مع أصدقائي من شبان الحارة حيث استمر الفيلم عدة أسابيع أو أشهر وشاهدناه عدة مرات لنستمتع كثيراً بمشاهدة عبد الحليم مطربنا العاطفي الأول وهو يغني أغانية المحبوبة لنا و هو يمثل ايضاً ويتحرك ويتكلم وكل هذا كان يسعدنا جداً , حيث كنا ايضاً نشتري المكسرات و الكازوز للتسلية , بعد أن نكون قد دفعنا ثمن التذكرة ما بين 10 – 25 قرشاً .
وكان هذا الفيلم (معبودة الجماهير) كذلك يتحدث عن قصة ميلودرامية عاطفية مؤثرة , اذ كان دور عبد الحليم هو شاب ممثل مبتدئ بجانب النجمة الشهيرة شادية .. وعندما يلاحظ المخرج يوسف شعبان ذلك الأمر والذي سيؤثر على عمله في عالم الفن والاخراج فانه يرتب مكيدة خسيسة ضد عبد الحليم لتبتعد عنه شادية وتكرهه , وهذا ما حصل بالفعل .. وتنكشف الخديعة الماكرة في اخر الفيلم بعدما يكون الممثل الناشئ قد اصبح مطرباً شهيراً , أما شادية فقد طوتها غياهب النسيان والمرض .
وكان من اجمل لقطات هذا الفيلم واغانيه مثلا هي تلك التي غناها وهو يقود الدراجة ومعه شادية كأغاني (احبك) و (حاجة غريبة) .
وبسبب احداث الفيلم كان هناك الالم والحسرة وذرف الدموع من الفتيات داخل الصالة حزناً على الفراق الذي حصل ما بين الحبيبين شادية وعبد الحليم .
ومن اغاني هذا الفيلم الشهير والذي حضره العديد من شباب وشابات وعائلات عمان قديماً حاجة غريبة , بلاش عتاب , احبك , لست قلبي , جبار .
سينما الاردن وأبي فوق الشجرة
وفي العام 1969 وعندما كنا في مرحلة الدراسية النهائية لتقديم امتحان شهادة المترك الاعدادية .. اخذنا نحن الاصدقاء والطلاب قراراً بتخصيص اوقات للاستراحة ومنها الذهاب للسينما ولحضور الفيلم ذائع الصيت ابي فوق الشجرة لعبد الحليم حافظ وهو من اخراج حسين كمال وقصة احسان عبد القدوس وسيناريو سعد الدين وهبة .. فذهبنا وشاهدنا هذا الفيلم عدة مرات وكان وقتها يعرض في دار سينما الاردن والتي تغير اسمها فيما بعد الى سينما فرساي ثم اصبحت مقراً لمسرح البلد اخيراً . تلك السينما التي أسست في العام 1951 .
عبد الحليم حافظ في هذا الفيلم كان يؤدي دور الطالب الجامعي الذي يدرس الهندسة وذلك كما ورد في فيلم الخطايا ايضاً كطالب هندسة .. وهذه النقطة كانت هامة فيما بعد حيث اثرت على مئات من عشاق فن عبد الحليم الذين بالفعل احبو الهندسة ودرسوا الهندسة مثله !!! .
ويتكرر في هذا الفيلم مشهد الصفعة ومن نفس الاب عماد حمدي الذي اشترك معه بدور الاب كما في فيلم الخطايا .. إذ ان الاب هنا يصفع عبد الحليم صفعة حقيقية قوية مؤثرة وناجحة جداً وذلك بسبب ان مشهد الصفعة في الخطايا الهب مشاعر المتفرجين .
هذا وقد شارك عبد الحليم في تمثيل فيلم ابي فوق الشجرة النجمة الصاعدة ميرفت امين , ثم نادية لطفي وعماد حمدي .. الخ .
ومن اجواء عرض هذا الفيلم والذي استمر عرضه عدة اشهر متواصلة في صالات عرض سينمائية أخرى في عمان وفي مدن أخرى مثل الزرقاء واربد مثلا ،وان ما أتذكره كذلك هو ان التلفزيون الاردني كان قد وضع بث دعاية لهذا الفيلم بطلب من دور السينما للترويج للفيلم كاعلان تجاري 00لذا فقد شاهد هذا الفيلم الاف كثيرة من الشباب ذكورا واناثا والكثير من العائلات والمخطوبين والعرسان 00فقد كان حديث الموسم 00وهذا الفيلم فاق كل التوقعات بنجاحه المنقطع النظير بين كل افلام عبدالحليم السابقة 00فلا ننسى تلك المشاهد الجميلة والملونة لأغاني عبدالحليم التي تم إخراجها على طريقة الفيدو كليب رغم انها لم تكن معروفة في تلك الايام00والدليل على ذلك إخراج أغنية يا «خلي القلب « وعبدالحليم يغني ما بين الاقمار والنجوم ومعه ميرفت امين في مشهد رائع 00وكذلك خلال غناء قاضي البلاج ودقوا الشماسي على شاطئ الاسكندرية ،،،حيث كان من المفروض لعبدالحليم ان يلبس شورتا فقط ،لكن حليم يرفض لأن اثارعملية جراحية بدت واضحة على بطنه !!!وعندما شاهد ذلك المخرج
حسين كمال بكى متأثرا فلجأ الى حيلة التصوير عن بعد في هذا المشهد 0
وفي الاسابيع الاولى من عرض الفيلم هذا في عمان كانت التذاكر تنفذ بسرعة ولا يجد الشخص المتأخر قليلاً اية تذاكر !!! ومع الايام حضره كل الناس الذين يحبون اغاني وشخص عبد الحليم لان عرض الفيلم استمر طويلاً , و اعيد كثيراً كل عدة اشهر او كل سنة وبالذات في الاعياد .
اما عن الاغاني التي غناها عبد الحليم في الفيلم فهي : قاضي البلاج , احضان الحبايب , يا خلي القلب , الهوا هوايا , جانا الهوى .. وكانت اكثرها وكما اغانيه الاخرى من تلحين عبد الوهاب ومحمد الموجي وكمال الطويل ومنير مراد وآخرين .
عبد الحليم يزور عمان
وفي بداية العام ( 1970 ) جاء عبد الحليم حافظ بزيارة خاصة الى عمان حيث اجرى معه التلفزيون الاردني لقاء فنياً وكان الاعلامي جواد مرقة هو الذي حاوره في هذا اللقاء حيث ابدى عبد الحليم انطباعاً جميلاً عن الاغنية الاردنية , ومن الطريف في هذه الزيارة ان عبد الحليم تعرض لحادث اصطدام خفيف بالسيارة التي كان يركبها في عمان .. واذكر انني واصدقائي الشباب الصغار نزلنا الى السوق وسط البلد لعل وعسى نشاهد عبد الحليم فجأة .. وكانت تلك امنية لم تتحقق رغم حبنا وتعلقنا بعبد الحليم وافلامه واغانيه العاطفية الساحرة .
وفي ملاحظة اخيرة هناك من يؤكد ان عبد الحليم سبق له ان زار عمان في العام 1956 !! .
جريدة الرأي
تاريخ النشر: الاربعاء 18 ابريل 2012