في ذكرى أنتصارات أكتوبر الخالدة... الموسيقار والمايسترو على إسماعيل.... راجعين.. رافعين رايات النصر

الموسيقار والمايسترو على إسماعيل...... راجعين.. رافعين رايات النصر
مجلة صباح الخير عدد 4 أكتوبر 2016
كتب : ورد الغنام
ريشة: جمال هلال

عندما توفى على إسماعيل قال الموسيقار محمد عبدالوهاب: «لتانى مرة يموت سيد درويش»، وكان عبدالحليم حافظ مريضا ألزمه الأطباء الفراش، فحمل القسطرة المعلقة فى جسده النحيل وهرول بالبيجامة إلى الشارع باتجاه جاره الموسيقار كمال الطويل الذى أصابه الذهول، فقد كان جسده كله يرتعش.. وقال: «على إسماعيل مات يا كمال».. وفى حديث بين ابن الموسيقار محمد عبدالوهاب و«شجون» ابنة على إسماعيل قال: أقول لك حاجة، مرة بقول لبابا يا موسيقار عبدالوهاب.. قال لى: يا ابنى أنا مش موسيقار.. الموسيقار هو الملحن والمؤلف الموسيقى وواضع الموسيقى التصويرية وقائد الأوركسترا.. وده لا ينطبق إلا على اتنين أندريا رايدر وعلى إسماعيل».

ولد الموسيقار على إسماعيل فى 28 ديسمبر 1922 فى حى الحلمية، وبالتحديد حارة المناصرة شارع محمد علي، وهو الأخ الأكبر لأربعة أشقاء.. ثلاثة أولاد وابنة واحدة.. والده هو الموسيقى إسماعيل حسن خليفة، وكان يعمل رئيسا لفرقة موسيقى الحرس الملكي.
وتقول ابنته شجون على إسماعيل: نشأ والدى فى أسرة بسيطة.. والدته ربة منزل تعمل على تربية الأولاد وتعليمهم.. حصل والدى على دبلوم الصنايع قسم زخرفة.. وقضى فترة تجنيده بفرقة موسيقات الجيش.. ومن هنا كان عشقه للآلات الموسيقية، خاصة النحاسية.. وكان أساتذته فى ذاك الوقت من الموسيقيين الأجانب.. وبعد الانتهاء من فترة التجنيد أصر على دخول معهد فؤاد الأول للموسيقي، وفى هذا المعهد كانت بداية علاقته بعبدالحليم حافظ.. كمال الطويل.. أحمد فؤاد حسن وفايدة كامل.. وآخرين من عمالقة الفن».
وتضيف شجون على إسماعيل: «أثناء دراسته فى المعهد كان «والدي» يعمل عازفا على آلتى السكسفون والكلارنيت فى بعض الكازينوهات الليلية.. كازينو رتيبة وإنصاف.. ببة عزالدين.. وبديعة مصابني.. وبدأ يشتهنر كأفضل عازف على هاتين الآلتين.. ثم التحق بفرقة محمد عبدالوهاب».
• أول فرقة جاز مصرية
كانت بداية انطلاقة على إسماعيل الموسيقية من كازينو بديعة، التى كانت مؤمنة بموهبته وأفكاره الموسيقية الحديثة.
وتستطرد شجون قائلة: «فى هذه الفترة وفى كازينو بديعة كان محمود وعلى رضا يقدمان تابلوهات راقصة وكارم محمود وعقيلة راتب وسعاد مكاوى لهم فقرات غنائية، وتحية كاريوكا فقرة راقصة.. وتقدم ثريا حلمى مونولوجا.. وبين كل فقرة وأخرى فاصل.. اقترح والدى على مدام بديعة أن يقدم فى هذا الفاصل الذى لا تزيد مدته على أربع دقائق مقطوعات موسيقية يضع هو لحنها ويقوم بتوزيعها.. ووافقت الست بديعة.. وعلى الفور قام والدى بتكوين فرقته.. وكانت أول فرقة جاز مصرية».
لاقت الفرقة الاستحسان وحققت نجاحا قويا.. ولأن قائد الفرقة وملحن موسيقاها كان خجولا جدا وكانت الفرقة تدخل إلى المسرح دون تقديم، فطلبت منه الست بديعة أن يقوم هو بتعريف نفسه للجمهور.. فقال لها: «معرفش».. فقررت أن يخرج أحد العاملين بالمسرح ليذيع «موسيقى الشاب على إسماعيل».
فى هذه الأثناء أيضا تعرف على إسماعيل على أستاذه الحقيقى أندريا رايدر الذى كان عاشقا لكل أنواع الموسيقى والفنون.. ووجد رايدر فيه تلميذه النجيب الذى تعلم منه قيادة الأوركسترا.. والتوزيع الموسيقي.
وتقول شجون على إسماعيل: «وتخرج والدى فى معهد الموسيقى وجاء تعيينه مدرسا للموسيقى هو وعبدالحليم حافظ.. ولأن بداخلهما هذا التمرد ولأنه لم يكن هذا طموحهما فقررا ترك التدريس.. وكان وقتها زميلهما كمال الطويل يعمل بالإذاعة.. وعرض عليهما الحضور إلى الإذاعة والتقدم للجنة الاستماع.. وكان الطويل يعلم أن والدى بدأ فى تقديم المونولوجات لكل من ثريا حلمى وسعاد مكاوى وشكوكو وإسماعيل يس وآخرين.. فى فترة عمله بكازينو بديعة ربطته صداقة بعازف سكسفون يدعى زكى غنيم.. كان يقطن فى حى باب الشعرية.. ويسكن أمامه الحاج حسين قنديل وكان يعمل «باشمهندس» ببلدية طنطا.. وكان والدى عندما يقف فى شرفة منزل زكى غنيم يشاهد كارتة تنزل منها فتاة يظل يتابعها بعينيه إلى أن تدخل المنزل الذى أمامه.. وتعلق قلب والدى بتلك الفتاة وكثرت زياراته لمنزل صديقه زكى غنيم.
كانت الفتاة الجميلة فى عمر الخامسة عشرة.. وهى ابنة المهندس حسين قنديل، طالبة فى مدرسة الأميريكان ميشن.. واسمها نبيلة.
وبدأ على إسماعيل يذهب إلى المدرسة وينتظر واقفا على بابها.. ينظران إلى بعضهما.. ويذهب كل فى طريقه.. إلى أن جاء يوم وقرر أن يكلمها.. وكان اللقاء الذى استمر سنة دراسية كاملة يوصلها كل يوم من المدرسة إلى المنزل.. ونهاية العام الدراسى قرر الارتباط بها.. وكان والدها قد توفي.
ولارتباطهما وزواجهما حكاية ترويها شجون: «تقدم والدى إلى أخيها الذى لم يكن شقيقها، بل أخوها من والدها فقط.. ولأنه كان خائفا على أموال العائلة والميراث رفض والدى وطرده شر طردة.. ومنع أخته من الذهاب إلى المدرسة.. ولكن وبعد فترة من الوقت والدته التى هى زوجة أبيها وكانت تحبها وقلقت على مستقبلها.. أقنعت ابنها بضرورة عودة الفتاة إلى المدرسة لإكمال تعليمها.. وبعد ضغط عليه وافق.. وعادت إلى المدرسة ولقاء والدى مرة أخرى.. وعلى باب المدرسة قررا الهروب معا والزواج.. ولكن كيف؟ وهو لا يمتلك إمكانيات الزواج.. وهى لا يتعدى عمرها خمسة عشر عاما ونصف العام.. يعنى ما ينفعش جواز.. يعملوا إيه؟!
كانت صديقته فى ذلك الوقت الفنانة هاجر حمدى وكانت متزوجة من الفنان كمال الشناوي.. فذهب بها إليها.. ورحبت بها هاجر وظلت فى منزلها إلى أن صار عمرها ستة عشر عاما».
فى هذه الأثناء وفى يوم من ذات الأيام كانت الفتاة تغنى وسمعتها هاجر حمدي.. وأعجبها صوتها وأداؤها.. وأسمعته لعلى إسماعيل الذى رفض.. ولكن هاجر استطاعت إقناعه.. وبالفعل اصطحبها معه إلى بديعة مصابني.
وتقول شجون: «كل ده وأخوها وعائلتها يبحثون عنها.. وخوفا من التعرف عليها قرروا تغيير اسمها إلى سعاد وجدي.. وبدأت بغناء أغنيات قصيرة كان والدى يقوم بتلحينها، منها «قلبى طب».. و«دلع البنات».. فى هذا الوقت أيضا كان والدى يعمل بالإذاعة، حيث قرر الأستاذ محمد حسن الشجاعى وكان رئيس القسم الموسيقى بالإذاعة منح ربع ساعة لكل ملحن جديد يقدم خلالها ألحانه، كمال الطويل ومحمد الموجى وعلى إسماعيل الذى قدم فى ربع الساعة اثنتى عشرة أغنية، فاشتهر بالأغانى القصيرة.. وكانت البدايات أغانى: «اصحى يا ورد» كلمات إبراهيم عاكف وغناء الثلاثى المرح».
الثلاثى المرح فرقة غنائية كونها الموسيقار على إسماعيل مكونة من ثلاث بنات تتمتع كل منهن بصوت جميل مختلف عن الأخرى.. «وفاء وسناء وصفاء» اللاتى استطاع على إسماعيل الجمع بين أصواتهن لتصبح كأنك تسمع صوتا واحدا فقط.. هذا الثلاثى اشترك فى غناء الكثير من الأغنيات وكل أغانى استعراضات فرقة رضا.. من الأغنيات التى قدمنها فى الإذاعة سبحة رمضان.. وآه جه يا ولاد وغيرهما من أغنيات للمجموعة حققت نجاحا وشهرة كبيرين.
ونعود لبدايات الموسيقار على إسماعيل وزواجه.. فتقول شجون: «فى ذلك الوقت أيضا كان والدى حصل على كلمات للشاعر إمام الصفتاوى وبدأ يلحنها على البيانو فى الإذاعة ويغنى بصوته الجهورى وكان متواجدًا حليم الذى قفز إلى والدى بعد سماع اللحن وقال: «أنا حغنى الأغنية دي».. وبالفعل غناها حليم وكانت بداية الانطلاق لحليم وإسماعيل».
تقول كلماتها:
يا مغرمين.. يا عاشقين
مين زيى مين يا مغرمين
حبيب جميل مالوش مثال
فى رقته
رمشه كحيل ولا الغزال فى نظرته
وجبينه نور ولا البنور
وشعره ليل لكن جميل
قلبى هواه وارتاح معاه
مشغول عليه دا فرحتي
وقسمتى من الحياة
وجنتى فى دنيتى طول الحياة
وقربه كان حلم الزمان
قضيت سنين كلى حنين
أسأل عليه وأقول يا عين
ح شوفه فين واتهنى بيه
ويوم لقاه نسيت مرار الانتظار
مع الخيال وبان رضاه
فى الانسجام والابتسام
ساعة ما قال يا مغرمين
يا عاشقين
وتقول شجون: «كل هذا يحدث فى وقت قصير وحققت الأغنية نجاحا وانتشارا غير مسبوق.. وتوافرت لدى والدى الإمكانيات المادية التى يستطيع معها إتمام زواجه من والدتى وأنجبانا.. «حسين ومصطفى وأنا». تخرجنا جميعا فى الكونسرفتوار.
رحل أخى حسين عن دنيانا، أما مصطفى فقد ورث عن والدى موهبة التلحين، وقدم أغنيتين للمطربة شريفة فاضل وأغنيات أخرى لأنوشكا ملاح يا سمرانى من كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم.. ولمحمد منير أغنيتين الطول واللون والحرية ولو بطلنا نحلم نموت من كلمات الشاعر عصام عبدالله.
فى عام 1952 قامت ثورة يوليو وبدأت مرحلة تفجر الطاقات الإبداعية والحماسية والوطنية لعبدالحليم حافظ، على إسماعيل، كمال الطويل، محمد الموجي، صلاح جاهين، عبدالرحمن الأبنودي، محمد حلاوة ومرسى جميل عزيز».
وعن هذه المرحلة تقول شجون: «بدأت تتبلور موهبة ماما فى كتابة الأغاني، فطلبت من بابا أن تتوقف عن الغناء وشطب ومسح كل أغانيها من الإذاعة والعودة إلى اسمها الحقيقى نبيلة قنديل».
• الشاعرة نبيلة قنديل
تعد نبيلة قنديل من أوليات الشاعرات اللواتى كتبن الأغنية.. وتميزت أغنياتها بالطابع الإنسانى والوطني، فهى امتلكت القدرة على التنوع بأغنيات مختلفة علقت بأذهاننا ونرددها وربما لا نعرف أنها صاحبتها مثل أغانى رمضان الشهيرة «آه جه يا ولاد» التى لحنها ووزعها على إسماعيل وغناها الثلاثى المرح وأغنية «هاتوا الفوانيس» التى لحنها وغناها محمد فوزي.. و«سبحة رمضان» ألحان وتوزيع إسماعيل وغناء الثلاثى المرح.. ويقول مطلعها:
سبحة رمضان لولى ومرجان
بتلاتة وتلاتين حباية
ثلاثة وثلاثين منهم تلاتين
أيام رمضان نور وهداية
•فرقة رضا
فى بداية الستينيات قرر الأخوان على ومحمود رضا إنشاء فرقتهما.. ولضيق ذات اليد تعذر عليهما تحقيق الحلم، حتى كاد يصيبهما اليأس.. فلم يوافق ملحن ولا موسيقى على التعاون معهما بدون أجر سوى على إسماعيل. الذى كان مؤمنا بموهبتهما وفنهما وقدرتهما على تحقيق النجاح.. وقدم لهما موسيقاه التى دوت معهما وفريدة فهمى والفرقة بكاملها فى جميع أرجاء العالم وأصبح على إسماعيل محتكرا لكل ما يخص الفرقة من أعمال موسيقية سينمائيا ومسرحيا وحفلات تلحينا وتوزيعا وشريكا فى النجاح».
وعن هذا الإنجاز الفنى تقول شجون: «بعد رفض الكثير من الملحنين والموسيقيين التعاون مع على ومحمود رضا.. ذهب على رضا إلى والدى وكان صديقه وكان يريد الافتتاح بعد شهر، فوافق والدى وذهب إلى الفرقة وشاهد الخطوات وتصميم الرقصات.. وخرج ولم يعد.. واختفى.. وبحثوا عنه فى كل مكان.. لم يجدوه، إلى أن علموا من بعض أصدقائه أنه فى المستشفى بصحبة ابنه (شقيقي) الذى كان يبلغ من العمر ستة أعوام وتعرض لحادث حريق.. فذهب على رضا إلى المستشفى وفوجئ بعلى إسماعيل يجلس بجوار سرير ابنه ومعه أورج ونوت موسيقية على الأرض.. بدت الدهشة والانزعاج على وجه على رضا.. فطمأنه على إسماعيل قائلا: ماتخفش هنفتح فى الوقت المحدد».
وفى الموعد المحدد للافتتاح قدمت فرقة رضا عرضها الأول وحققت نجاحًا منقطع النظير، وتشجيعا من الدولة.. جالت المحافظات والدول وأصبحت سفيرا لمصر فى الخارج.
معظم كلمات أغانى فرقة رضا كتبتها الشاعرة الغنائية نبيلة قنديل، منها أوبريت «على بابا والأربعين حرامي».. وأغنيات أفلام غرام فى الكرنك وإجازة نصف السنة وحرامى الورقة.. وأغنيات رقصات الكرنبة.. مانتش خيالى يا ولي.. الطرح يا بنات.. سماح النوبة.. والأقصر بلدنا التى يقول مطلعها:
لقصر بلدنا بلد سواح
فيها الأجانب تتفسح
وكل عام وقت المرواح بتبقى
مش عاوزه تروح وتسيب بلدنا
على أرضها اتمخطر ياسطي
دول مبسوطين آخر بسطه
ولف بينا أى والله
أجمل مدينه صحيح والله
مش برضه منها؟
أنا م الواسطى
نردها لك فى الأفراح
ومهما تبعد وتروح
برضه فى بلدنا
رغم أن الشاعرة نبيلة قنديل كتبت معظم أغانى فرقة رضا فإن هناك شعراء آخرين كتبوا أيضا.. منهم الشاعر الكبير مأمون الشناوى الذى قدم للفرقة غنوة «حلاوة شمسنا» التى كتب فيها:
حلاوة شمسنا وخفة ضلنا
الجو عندنا ربيع طول السنة
الورد كله شجر ونخيل
ونسيم بيهمس بينهم همس
بيشربوا شهد من النيل
ويستحموا بنور الشمس
الجنة فى أرضنا.. والحنة فى رملنا
حلاوة.. حلاوة.. حلاوة شمسنا
• الأرض لو عطشانة
اشتهرت الشاعرة نبيلة قنديل بأغنيات المناسبات والمواكبة للأحداث.. وتقول شجوى: «عندما بدأ الإعداد لفيلم الأرض رواية الكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوى وإخراج يوسف شاهين.. وقرأ والدى السيناريو لوضع الموسيقى التصويرية للفيلم.. كنا فى شهر رمضان.. وكانت ماما بتحضر السحور فى المطبخ فى الدور السفلي.. فنده بابا عليها.. وطلب منها تكتب حاجة عن الأرض التى هى ملكنا ويأخذونها منا عنوة لدق السكة الحديد، وشرح لها لحظة تشبث محمد أبوسويلم بالأرض.. فتنزل ماما إلى المطبخ تحضر السحور وتكتب وتطلع.. يبص فى الورق ويقطع ثلاث مرات هى تكتب وتطلع ويقرأ ويقطع، إلى أن كتبت له:
الأرض لو عطشانة
نرويها بدمانا
عهد وعلينا أمانة
تفضل بالخير مليانة
يا أرض الجدود.. يا سبب الوجود
راح نوفى العهود
يا رمز الخلود قلوبنا تهون
وعمرك ما تنامى عطشانة
التقطها والدى وقال: «هوا ده».
وتذكرت مشهد الفنان محمود المليجى وهو ملقى على وجهه على الأرض تجره الهجامة وهو متشبثا بالأرض بيديه وأصابعه تحفر فى الطين ودماؤه تسيل كأننى أسمع كلمات الأغنية والموسيقى الجنائزية الحزينة التى وضعها على إسماعيل منذ أكثر من أربعين عاما ومازالت محفورة فى وجداننا ومشاعرنا وتؤثر فينا حتى هذه اللحظة.
وإن كانت الشاعرة نبيلة قنديل اشتهرت بأغنيات المناسبات التى تهم الجماهير سواء الدينية أو الوطنية أو الأفراح.. فاشتهرت أيضا بقدرتها على التقاط الفكرة وانتقاء الكلمة سهلة الحفظ والترديد، فمن منا لا يذكر أغنية «دع سمائي» التى غنتها فايدة كامل أثناء العدوان الثلاثى والتى قام بتلحينها وتوزيعها الموسيقار على إسماعيل الذى قدم للأغنية الوطنية أعمالا عديدة ما بين التحلين والتوزيع والموسيقى وكان قائد الأوركسترا الدائم فى حفلات عيد ثورة يوليو.. ومن منا ينسى أغنية «فدائي» التى لحنها ووزعها على إسماعيل وغناها عبدالحليم حافظ ورددها معه كل أرجاء الوطن العربي.. ويقول مطلعها:
فدائي.. أهدى العروبة دمائي
أموت أعيش.. ما يهمنيش
كفاية أشوف علم
العروبة باقي
• المايسترو الذى طلبت إسرائيل رأسه
عن هذه الأغنية الوطنية وغيرها والمواقف الوطنية للموسيقار على إسماعيل.. تقول شجون: «فى أواخر الستينيات طلبت منظمة التحرير الفلسطينية من والدى تقديم ألحان تجسد نضال الشعب الفلسطيني، ودعته لزيارة معسكرات الفدائيين.. وهناك تفاعل بإحساسه مع كل ما شهده وأمضى برفقة الرئيس ياسر عرفات أربعة أيام.. طلب منه خلالها أيضا وضع موسيقى النشيد الوطنى الفلسطينى الذى كتب كلماته الشاعر الفلسطينى سعيد المزين.
وعاد على إسماعيل إلى مصر وتم تسجيل أغنية «فدائي».. وشجع نجاحها على إسماعيل.. أن يقدم كل ثلاثة أشهر حفلا موسيقيا للجنود على الجبهة، مصطحبا معه مرة فرقة رضا.. ومرات مشاهير الفنانين: حليم وقنديل وفايدة كامل.. وغيرهم، كل فنانى مصر تقريبا.. إلى أن أبلغه المسئولون بضرورة التوقف عن الذهاب إلى الجبهة خوفا عليه لأن إسرائيل طالبة رأسه بسبب موسيقاه وأغانيه التى تلهب مشاعر الحماسة والوطنية.. فما كان منه إلا أن كثف زياراته.. وأصبح النشيد الوطنى الفلسطينى ألحان وتوزيع على إسماعيل».
أما أغنية «رايحين» فلها قصة جميلة إن دلت على شيء فتدل على وطنية وإيمان على إسماعيل بقدرة مصر على اجتياز المحن مهما كانت صعوبتها.. فتروى شجون على إسماعيل: «قبل حرب أكتوبر 1973 وبالتحديد فى عام 1971 وأثناء تصوير فيلم «العصفور» قصة توفيق الحكيم وإخراج يوسف شاهين الذى وضع له الموسيقى التصويرية على إسماعيل.. طلب يوسف شاهين من بابا موسيقى تعبر عن مشهد تعبئة الجيش.. ولكن على إسماعيل رفض وقال: لأ.. ستكون غنوة تعبر عن المشهد.. ووافق شاهين.. وعاد والدى إلى المنزل.. وطلب من ماما أن تكتب كلمات أغنية يسير عليها الجنود رايحين يركبوا القطارات وهيرجعوا منتصرين.. فضحكت ماما وقالت له: أكتب إيه يا علي.. قال لها: اكتبى الجنود رايحين وهانرجع بالنصر.. قالت: نصر إيه يا علي.. رد عليها: زى ما بقولك كده.. قالت: احنا مهزومين حنضحك على الناس؟!.. قال بقولك اكتبي.. كده ولا كده حننتصر.
وكتبت نبيلة قنديل ولحن ووزع على إسماعيل:
رايحين شايلين فى إيدنا سلاح
راجعين رافعين رايات النصر
سالمين حالفين بعهد الله
نادرين وهبين حياتنا لمصر
باسمك يا بلدى عرفنا يا بلدي
جيشك وشعبك رمز التحدي
أرضك وزرعك شمسك وقمرك
شِعرك ونغمك نيلك وهرمك
بدمى أفادى وأصد الأعادي
وأفدى بروحى عيونك يا مصر
• العازف على أوتار الوطن
وتذكر شجون على إسماعيل: «يوم 6 أكتوبر 10 رمضان لم يكن فيلم «العصفور» عُرض بعد.. وكنت فى مشوار مع ماما فى وسط البلد.. واحنا راجعين الساعة الثانية ظهرا... قالت لى افتحى الراديو نتسلى شوية.. فتحت الراديو لقينا أول بيان لانتصار أكتوبر.. أسرعت ماما السيارة وجرينا على البيت.. وكان بابا قاعد.. قالت له: افتح يا على التليفزيون احنا انتصرنا.. قال لها أنت بتخرفي.. وفتح.. وجد مارشات عسكرية.. انتفض من على الكرسى وكلم يوسف شاهين.. وقال له أنا عايزك تجيلى حالا أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون ومعاك الريل بتاع فيلم العصفور علشان ناخد منه أغنية «رايحين».. والتقيا أمام المبني.
واتصل بابا بالإذاعة التى كان ممنوعًا الدخول إليها وكلم الأستاذ وجدى الحكيم وقال له سوف تدخلان حالا والأغنية ستذاع على الفور.. وفعلا دخل هو ويوسف شاهين وفرغا الأغنية وكانت أول أغنية تذاع لنصر أكتوبر «رايحين».
كانت هذه حكاية غنوة «رايحين».. أما أغنية «أم البطل» فلها قصة أخرى ترويها شجون على إسماعيل: فتقول: «أنا الابنة الوحيدة لماما وبابا فكانا يصحبانى معهما إلى أى مكان.. وكان المكان هذه المرة إلى عزاء الفنانة شريفة فاضل الذى أقامته فى منزلها بعد استشهاد ابنها الوحيد الطيار الذى كان فرحة عمرها وخاطب ولسة متخرج.. وكانت صديقة لأمى قوي.. وأثناء العزاء لم تكن طنط شريفة تردد سوى كلمة «ابنى حبيبي».. وكانت أمى دائما ما تحمل فى حقيبتها أجندة وقلمًا.. فدخلت إلى المطبخ وهى فى شدة التأثر والانفعال ووجدت نفسها تكتب:
ابنى حبيبى يا نور عيني
بيضربوا بيك المثل
كل الحبايب بتهنينى
طبعا ما أنا أم البطل
وعدنا إلى المنزل وأمى بدموعها.. وأعطت بابا الكلام اللى كتبته.. أخذه منها ولحنه.. وبعد أسبوع كلم طنط شريفة وطلب منها الحضور إلى استوديو 46 إذاعة.. قالت له إزاى يا علي.. أنا فى حداد.. قال لها دى هدية منك لابنك.. بكت.. كرر: دى هديتك له.. وبالفعل حضرت إلى الاستوديو وغنت بدموعها.. وأصر بابا على تصويرها».
«أم البطل» كانت من أكثر الأغنيات تأثيرا فى مشاعرنا ومازالت علامة فى سجل الأغنية الوطنية.
• أنا كل ما قول التوبة
أثارت أغنية «أنا كل ما قول التوبة» كلمات الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى وألحان بليغ حمدى وتوزيع على إسماعيل وغناء عبدالحليم حافظ.. خلافاً حاداً جدا بين على إسماعيل وعبدالرحمن الأبنودي.
وعن هذه المشكلة تقول شجون: «كان الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى كتب.. أنا كل ما جول التوبة.. فولكلور صعيدى يعني.. ولحنها بليغ.. فجاء على إسماعيل وعمل التوزيع بآلات نحاسية وأرتام غربية.. انزعج الأبنودى وانفعل واعترض وهدد بسحب الكلمات.. لولا تدخل حليم الذى هدأه وأقنعه بما ستحققه هذه الغنوة من نجاح.. وقال له: بكره تشوف الأغنية دى حتعمل إيه وهتعيش أد إيه.
وصدقت نبوءة عبدالحليم حافظ وحققت الأغنية أعلى نسبة توزيع وانتشار فى مصر وجميع أرجاء الوطن العربى والعالم».
فى أول احتفال بذكرى نصر أكتوبر قدمت الفنانة سعاد حسنى أغنية «تمام يا فندم» من كلمات نبيلة قنديل وألحان على إسماعيل.
بعد هذا الاحتفال بشهرين.. اتصل الزعيم الراحل أنور السادات بالموسيقار على إسماعيل.. وكلفه بعمل موسيقى «زفة» نهى السادات.
وتقول شجون: «وقال له بالحرف الواحد.. «هى عايزاك أنت اللى تعمل اللحن.. ومها صبرى تغنيه».
وكتبت نبيلة قنديل ولحن ووزع على إسماعيل.. وغنت مها صبري.. ولأن هذه الغنوة لم تسجل ولم تذع وموجودة فقط عند أسرة الزعيم الراحل، فعندما التقت شجون على إسماعيل بالسيدة جيهان السادات فى أحد اللقاءات طلبت منها نسخة من هذه الأغنية.. ووعدتها زوجة الزعيم الراحل بإرسالها لها بعد عودتها من السفر.
قدم الموسيقار والمايسترو على إسماعيل الموسيقى التصويرية لثلاثمئة وخمسين فيلما، أولها «عاشور قلب الأسد» من إنتاج وبطولة رشدى أباظة وتحية كاريوكا.. وكانت بدون أجر.. أما آخرها فكان افتتاحية فيلم «مولد يا دنيا».
وتقول شجون على إسماعيل: «فى أوائل عام 1974 كان بابا بيحضّر لفيلم «لا شيء مهم» إخراج حسين كمال عن قصة إحسان عبدالقدوس.. وأيضا مسرحية «كباريه» وفيلم «مولد يا دنيا».. وفى مكتب مسرح الحرية وفى وجود حسين كمال ونيللى وعمر خورشيد وسعيد صالح.. أبطال المسرحية.. وبالتحديد يوم 1974/6/16 كان حسين كمال بيقول له: يا على أنت سلمت لى افتتاحية مولد يا دنيا فقط.. أما باقى الفيلم فلم يسلم.. وأنت مسافر بكره روسيا لاستلام جائزة، وبعدها مسافر مع فرقة رضا.. وحترجعوا بعد عشرين يوم.. فين باقى مزيكة الفيلم وتوزيع الأغاني؟
قال له: عشرين يوم بالظبط وهسلمك الشغل.. أنا حخلصه بره.. وكان معروفًا عن على إسماعيل خفة دمه وعمل المقالب.. وفجأة وهو جالس على المكتب وهم حواليه.. أحنى رأسه للأمام.. فقال له حسين كمال.. لأ.. مش وقت هزار ومقالب.. عارف إنك مشغول وكل حاجة بس أنا عايز أنزل بالفيلم.. يا علي.. يا علي.. يا على ثلاث مرات.
ولم يرد على إسماعيل.. فقد فارق الحياة.. وعلى الفور أرسلت رئاسة الجمهورية سيارة الإسعاف لنقله إلى منزله الذى كان قد امتلأ بالبشر من كل صوب وحدب.. وأمر الزعيم الراحل أنور السادات بجنازة عسكرية للموسيقار والمايسترو على إسماعيل، ليكون أول فنان تقام له جنازة عسكرية.. وتصور وتعرض فى جريدة السينما قبل عرض الفيلم.
• جوائز وأوسمة
لم يعش على إسماعيل طويلا.. ولكنه خلال سنوات عمره القصير غيَّر شكل الموسيقي، فبعد أن كانت الألحان جملة موسيقية واحدة تعزفها كل الآلات أصبحت عدة جمل فى لحن واحد يميزها الانطلاق والحماسة مما منح الأغنية المصرية ثراء وتميزا متفردا.
حصل على إسماعيل على العديد من الجوائز والأوسمة تقديرا لإنجازاته طيلة مسيرته الفنية.. منها وسام العلوم والفنون عام 1961.. وسام جلالة الملك حسين.. جائزة المهرجان العالمى التاسع بصوفيا.. الجائزة الأولى للموسيقى عن فيلم «إجازة نصف السنة» عام 1964، جائزة من مهرجان تركيا الدولي.. جائزة أحسن موسيقى تصويرية من المهرجان القومى للأفلام الروائية 1971، وغيرها من الجوائز المحلية والدولية.
ورحل الموسيقار والمايسترو على إسماعيل تاركا لنا تراثا موسيقيا من مؤلفات موسيقية وموسيقى تصويرية وألحاناً بين الوطنية والحماسية والمرحة.
أما التوزيع فلا يُعد بدءًا من نشيد وطنى حبيبى وجميع أغانى عبدالحليم حافظ وعبدالوهاب وكمال الطويل ومحمد الموجى وبليغ حمدي، فى هذه الفترة وإنجازه الفنى الكبير مع فرقة رضا وقيادته للأوركسترا فى كل هذا أو ذاك.. لقد كان حقا المايسترو والموسيقار على إسماعيل

مقال رائع عن الموسيقار والمايسترو على إسماعيل رحمه الله رحمة واسعه
تسلم ايدك استاذ توفيق

تسلملنا استاذ توفيق وكل عام ووطننا العربى الغالى بالف خير وامن وسلام

» في ذكرى أنتصارات أكتوبر المجيدة.... نشيد النصر.... رايحين... شايلين ف أيدنا سلاح....
» في ذكرى أنتصارات العاشر من رمضان... تحيه لروح البطل الذي قاد المعركه وجلب النصر
» بمناسبة ذكرى إنتصارات حرب أكتوبر المجيدة 1973ـ البيانات العسكرية العشرة الأولى لحرب أكتوبر 1973
» في ذكرى أنتصارات العاشر من رمضان... صلاح جاهين وكاريكاتور المعركه
» في ذكرى أنتصارات العاشر من رمضان... نص الكلمه التي كتبها موسيقار الأجيال في الأهرام

صفحة 1 من اصل 1