كاظم الساهر صورة مرتبكة عن عبد الحليم حافظ
روني فلحوط
جريدة السياسي الالكترونية
7/1/2009 10:13:00 AM GMT
ظنّ أن المقدمات المتشابهة تؤدي إلى نتائج متطابقة، فانطلق منها إلى القناعة التي تسيّره حتى الآن، والتي مفادها أن الطفولة البائسة والفقيرة تجعل منه صورة طبق الأصل من المرحوم عبد الحليم حافظ، الذي أخذ بدوره الصورة التي رسمها لنفسه من الإنجليزي ألفيس بريسلي، فتداخلت الخلطات المرسومة مع بعضها، حتى حصلنا على نسخ مشوهة من رومانسيات مستعارة من آخرين، تعلوها عناوين التمارض والتأوه والحساسية الفائقة، رغم أن هذه الأخيرة، لا أثر حقيقيا لها في أرض الواقع.
إنه صاحب أغنية " أنا وليلى"، و"طلعت للبحر"، و"إني خيرتك فاختاري"، ملحن معظم أغانيه، صاحب تجربة في التلحين لغيره من المطربين، إنه كاظم الساهر، حارق قلوب العذارى، راوي الحكايات المؤلمة عن نفسه، وارث مكانة جلجامش في الأسطورة، المولود في الثاني عشر من سبتمبر أيلول من العام 1957 في الموصل، شمال العراق، صاحب الألقاب الكثيرة "سفير الأغنية العراقية"، و" قيصر الأغنية العربية "، و الرومانسي على طول الدهر، الذي لا يخطئه الحزن الرومانسي لحظةً حتى وهو نائم، صاحب الحكاية الأسطورية عن ولادته في عائلة فقيرة، عائلة مؤلفة من أب وأم وسبعة أشقاء وشقيقتين، "عباس وحسن وحسين وعلي ومحمد وسالم وإبراهيم وأميرة وفاطمة"، يسكنون في منزل صغير ـ من حظه أنه لا يوجد ترعة في الموصل، إلا وكان أضافها إلى الحكاية كي تتطابق مع حكاية عبد الحليم حافظ ـ، تخطى الساهر أهوال الزمان، حتى إنه طرد من أحد المطاعم الراقية في الموصل بسبب ملابسه الرثة، مما جعله ينتقم ويتمسك بالرثاثة تلك انتقاما من صاحب المطعم، فيغني بألم ورومانسية يجعل الندم رفيقا لصاحب المطعم، الذي لف له الطعام ووضعه في كيس ليتناوله خارج المطعم، انتقل إلى بغداد، وهو في بداية سن الصبا بحكم عمل والده، فعمل في بيع المثلجات في حر الصيف، يروى عنه بألم أن المثلجات ذابت ولم يشترها أحد، كل ذلك من أجل عيون الموسيقى والغناء، حيث رضعها مع حليب الأم، يقول إنه لحن أول ألحانه حين كان في سن الثانية عشرة، وهو يستمع لمحمد عبد الوهاب في سيارة شقيقه، ومن باب الثقافة لا ينسى أنه كان يبيع الكتب إلى جانب المثلجات، واشترى من عرق جبينه أول آلة جيتار، وهو في سن الثانية عشرة، واستطاع إتقانها وحده خلال وقت قصير ـ طبعا العود بحكم أنه آلة شرقية، وهو متجاوز للمحلية، تعلم العزف على آلة العود فيما بعد حين التحق بمعهد الدراسات الموسيقية في بغداد، قاطعا الرحلة نفسها التي قطعها الراحل عبد الحليم حافظ، وكان الحظ عثراً معه طوال الوقت بسبب فقره.
في رواية أخرى يقول الساهر :" إن أول ألحانه كان أغنية "أين أنت"، بعد عام من التحاقه بالمعهد الموسيقي، وعقب تخرجه من المعهد عمل مدرسا لمادة التاريخ في إحدى ثانويات بغداد، التحق بالجيش العراقي عند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في العام 1980، وطبعا لم ينس أن يحمل معه العود وليس الجيتار إلى جبهة الحرب، حيث كان يختبئ في الفلاة ليمارس العزف مع "حبيبته العود " كما يريد أن يسميه، هكذا استمر في صناعة رحلة العشق الرومانسي للموسيقى والعود والشقاء والبؤس منذ نعومة أظفاره، تمت إعادته من جبهات الحرب لصفوف المدرسين أثناء الحرب، وكانت تلك بداية ابتسام الحظ له، وتم تعيينه مدرسا لمادة الفن والموسيقى في مدرسة "كربيس"، إحدى القرى التابعة لقضاء عقرة في كردستان العراق، تلك التجربة التي لا يتحدث عنها الساهر أبدا وكأنها سقطت سهوا من الذاكرة، رغم دلالاتها العميقة في ذلك الزمن الذي كان صدام حسين يدفع بقواته لحرب إبادة على الشعب الكردي في تلك المنطقة.
بعد تجربته في كردستان العراق، التي يخفيها طوال الوقت، قرر الساهر أن يقتدي بعبد الحليم حافظ في تجوله بين البلدان إذ ابتسم الحظ له، وقرر أن لا يتعاطى السياسة إلا من باب المديح الغنائي، لا يهمه أيا كان، يهمه فقط أن يرضي الجميع بأغان رومانسية تدغدغ مشاعر الفئات الوسطى والحكام في دنيا العرب، على درب العندليب الأسمر نفسه، لا يتعامل مع المغنين من أمثاله إلا بفوقية الرومانسي الأب، وتوافرت عناصر الإنطلاقة تلك حين عمل مع الشاعر المداح كريم العراقي في مقدمة مسلسل "أغنية شجاها الناس"، والأغنية كانت بعنوان "نادية" في العام 1987، وعرفه الناس لأول مرة من خلال أغنيته "عبرت الشط على مودك"، سافر بعدها إلى الكويت ومن ثم بيروت، لينطلق منها من المجهول إلى المعلوم، ويلبس ثياب الرومانسي العائد من بعد غياب، وجاءت شهرته الكاسحة، حين استظل بظل الشاعر السوري الراحل، نزار قباني، استكمالا في تقليد العندليب الأسمر، فحقق من خلال الأغاني، التي أداها من كلمات الشاعر الراحل "إني خيرتك"، و"زيديني عشقا"، و" في مدرسة الحب"، مكانا بين المغنين العرب، في زمنٍ كانت التحولات التقنية تعصف بالغناء العربي وتضعه في مهب الريح، عاد الساهر إلى المفتقد، وبحث عن شهادات تشيد به، فأصبح كاظم الساهر الذي نعرفه الآن.
جرب الساهر حظه في التمثيل، شارك في بطولة مسلسل "المسافر"، ولكنه استنسخ العندليب الأسمر في تمثيله، فشل فشلا ذريعا كما حال الأصل، حيث لا يمكن للممثل في الحياة أن ينجح في التمثيل في المسلسلات والأفلام، تلك هى المشكلة التي لم ينتبه لها كبار الفنانين من أمثال فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، وهذا ما لم يعترف به كاظم الساهر، السائر على درب الأخير.
أغنيته "إني أحبك" التي دفعها إلى التصدير الخارجي ظنا منه أنها تدخله العالمية كشفت أمرا في غاية الخطورة، فقد علق عليها أكثر من ناقد موسيقي عالمي بأنها خليط غير محبب من جمل موسيقية غير مكتملة مأخوذة من شوبان وتشايكوفسكي قام بتزويجها قسرا مع موسيقى "نينوى"، المكتشفة في العصور الحديثة، لكن بعض شركات الإنتاج العربية أرادت النفخ في هذه الأغنية واعتبرتها عملا سيمفونيا، لأغراض تجارية بحتة.
نجح كاظم الساهر في تقليد خطوات عبد الحليم حافظ نجاحا باهرا، لكنه لم ينتبه حتى الآن، أن العندليب الأسمر ترك خلفه ما يذكر الناس به من موسيقى عالية حين تعاون مع أساطين التلحين في ذلك الزمن، لكن الساهر أراد الاستفراد بكعكة الخلود لوحده، فبقي هو الملحن والمؤدي والموسيقي وقائد الفرقة الولهان، فلم يحسب حساب غيابه، معتمدا على وسامته التي لا تشيخ، وأحزان العراق التي لا تنتهي، متخذا من حضوره سفيرا لهذا الحزن العراقي الدامي، لكنه لا يعلم أن لهذا الحزن خصوصيته، التي لا تشبه أحزان الآخرين، وأن مستمعيه سيلفظونه حين يكتشفون أنه استعار من كل حدب شيئا، وألبسه قناع الراحل عبد الحليم حافظ وباروكته وخطواته، لذا حين يغيب الساهر لثلاث أشهر عن الشاشات يتناساه الناس، فماذا حسب الساهر لرحيله ؟، ذاك هو السؤال الذي لا يسأله الملحن منذ أيام الطفولة!
______________________________________________
رابطة العندليب....عش الاسطورة
المنتدى الرسمي لعبد الحليم حافظ
2007/2015
"إلى العندليب.. إلى صوت العرب.. يسعدنا أن نلتف حول صوتك المليء بالشجن.. والعامر بالألحان... في حفل غنائي تقيمه المملكة المغربية".