فهد بلان.. قوة الجبل وشجن البادية وذكرياته مع عبد الحليم !!!

قال له فريد الأطرش: «عشان تنجح إبعد عن سكتي»
فهد بلان.. قوة الجبل وشجن البادية؟!
بقلم: سالم المجيدي في الإثنين 25 فبراير-شباط 2008 12:08:26 ص

قيل بأن حضوره الفني قد أرك الخارطة الغنائية العربية في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي، لأنه استطاع أن يفتح أذن المستمع العربي على نغمة جديدة ولون جديد من ألوان الغناء.. إنه المطرب السوري الراحل فهد بلان، والذي انطلق في العصر الذهبي للأغنية العاطفية والرومانسية على الرغم من أنه لم يكن رومانسياً ـ كما يقول الصحفي والكاتب السوري محمد منصور.. لا في الأداء ولا في المضمون، ومع ذلك فقد صنعت أغنياته شخصية خاصة له متفردة في الشكل والأداء والأسلوب.
قنبلة فنية
كان انتشار فهد بلان من بيروت فالقاهرة في ستينيات القرن العشرين أشبه بالقنبلة المدوية التي غطى صوتها وصداها على ما عداه من أحداث.. ولعل شهادة الفنان السعودي الراحل «طلال المداح» أبلغ تعبير عن الحال الذي أحدثه نجاح فهد بلان عربياً في زمنه.. إذ يقول في حوار تحدث فيه عن بداياته وسعيه نحو الانتشار عربياً من بيروت «كانت الظروف أيضاً ضدي، إذا لم أكد أظهر وأباشر صعود سلم النجومية في بيروت، حتى ظهر فهد بلان ـ رحمه الله ـ وكان شكله جذاباً ولونه جبلياً وجديداً، فغطى على الجميع، فما كان مني إلا أن جمعت أغراضي وعدت إلى السعودية، حيث بقيت عاماً كاملاً قبل أن أرجع مجدداً إلى بيروت، وكان نجم فهد بلان قد خبا بعض الشيء، لكنه كان قد فتح الطريق أمام تجارب تختلف عن المصري واللبناني.. وهذه المرة كان النجاح حليفي لأنني حملت جديداً».
هكذا كان فهد بلان في انطلاقته نجماً استأثر باهتمام وحضور الساحة الغنائية العربية، إلى درجة كان يصعب معها أن يولد نجم جديد ينافسه، فقد كان انتشار فن فهد بلان بشهادة الفنان طلال المداح، فاتحة طريق جديد أمام تجارب غنائية أخرى يمكن أن تتذوقها الأذن العربية، في زمن الهيمنة التي فرضتها الأغنية المصرية واللبنانية مع عمالقتها الكبار.
طفولة معذبة
ولد فهد بلان عام 1933م في قرية الكفر قرب مدينة السويداء في جبل العرب.. المدينة التي أعطت للغناء العربي أسمهان وفريد الأطرش من قبل، ولعل هذا الانتماء للمكان الواحد، سيلعب دوراً في حب فهد بلان للغناء.. الذي وجد في أغنيات فريد الأطرش التي كان يحفظها في الصغر بوابة ولعه بفن الغناء، هذا الولع الذي تحول إلى هواية تبحث عن فرصة لتقديم نفسها، لكن انفصال والد فهد عن والدته التي تنقلت بأولادها مابين يافا وبيروت والأردن خشية أن تؤول حضانة الأطفال للأب.. وتقلب فهد من مهن عدة وهو لم يزل يافعاً.. كل هذا جعل موهبته الغنائية تتوارى أحياناً في زحمة البحث عن لقمة العيش ونعمة الاستقرار.
شرارة الإنطلاق
انطلاقة فهد بلان نحو تقديم نفسه كمطرب كانت من خلال ثلاثة أعمال، الأول قدمه في إذاعة دمشق مع الملحن سهيل عرفة الذي كان يقدم أيضاً أول ألحانه الخاصة من خلال أغنية «بطل الأحرار» التي سجلها فهد بلان بصوته احتفاء بقيام الوحدة بين مصر وسورية عام 1958م، أما العمل الثاني فكل أغنية «مشغول بحبك» التي لحنها له راشد الشيخ عام 1959م، في حين جاء العمل الثالث والأهم من خلال إذاعة حلب.. التي كانت في خمسينيات القرن العشرين ناشطة في مجال التلحين والغناء على وجه الخصوص، بفضل المناخ الجلي الزاخر بالطاقات التلحينية والغنائية في تاريخ تلك المدينة التي تعشق الطرب.. وهكذا في إذاعة حلب التي سافر إليها بدعوة من مديرها توفيق حسن، وبصحبة سهيل عرفة التقى فهد بلان بشاكر بريخان الذي أعجب بشخصيته وظرفه وميله نحو تقديم اللهجة البدوية في الغناء، فقدمه في دويتو غنائي بعنوان «آه ياقلبي» مع المطربة السورية «سحر» ضمن أجواء بدوية الكلمات والتعبير.. فكان هذا العمل الغنائي بمثابة الإنطلاقة الناجحة لفهد بلان.. وخصوصاً أنه انتشر انتشاراًَ كبيراً في إذاعتي حلب ودمشق في تلك الفترة.. هذه التجارب الغنائية الجيدة، وسواها من الأغنيات التي سجلها في إذاعة حلب في نهاية الخمسينات لم تصنع ـ باستثناء «آه ياقلبي» ـ نقطة تحول في مسيرة فهد بلان الذي كان على موعد مع مكتشفه الفني الحقيقي الفنان عبدالفتاح سكر، الملحن السوري المعروف، وصاحب الإسهامات المهمة في تطوير الأغنية الشعبية، لقد تعرف عبدالفتاح سكر، الذي كان رئيس فرقة الكورس في إذاعة دمشق، على فهد بلان من خلال عمل هذا الأخير كمردد في الكورس أولاً، ثم من خلال العمل الفني في الإذاعة نفسها.. وقد طلبت مديرة دار الأيتام بدمشق من فهد بلان الذي لم يزل مردداً في الكورس بعد طلبت منه إحياء حفل خيري لمصلحة الدار، يردد فيه أغنيات فريد الأطرش، فدعا صديقه عبدالفتاح سكر وكانت تلك فرصة ليراقبه ويدرس إمكاناته الفنية إنطلاقاً من اللون الغنائي الشعبي الذي كرس له عبدالفتاح سكر جهوده، خصوصاً في فترة الوحدة بين مصر وسوريا التي قدم لها الكثير من الآهازيج والألحان الشعبية الدارجة.. وقد ولد اللقاء الفني بين عبدالفتاح سكر وفهد بلان بأغنية ستغدو قنبلة الموسم عام 1960م ألا وهي «لركب حدك يالموتور» التي حلقت بفهد بلان عالياً، تماماً كما هي حال الصورة الطريفة التي تعبر عنها الأغنية.. أي صورة الإنسان الريفي الذي يركب الطائرة لأول مرة ليرى قريته من نافذة الطائر ليلوح لحبيبته من عل:
«لركب حدك يالموتور
ركب الطيارة غية
وشوف الضيعة من البلور
وشاور لك بالبنية
تجربته مع التراث اليمني
ولم يتوقف عبدالفتاح سكر طويلاً عند نجاح «لركب حدك يالموتور» التي كتب كلماتها رفعت العاقل، وان ظلت هذه الأغنية علامة فارقة في حياة فهد بلان، وفنه الغنائي.. ليس لحيوية لحنها الديناميكي الحار وحسب، بل للربط التلقائي بين طرافة موضوع الأغنية وعفوية وتلقائية أداء فهد بلان الذي يعمق طرافتها، فتتمازج خفة ظل الأغنية كمايقول محمدمنصور - مع خفة ظل شخصية المطرب الغنائية معاً.. وقد تجاوز عبدالفتاح سكر هذا النجاح سريعاً، حين قدم لفهد بلان بعد ذلك من التراث اليمني «جس الطبيب لي يدي» التي تم تعديل ابياتها لتصبح «جس الطبيب لي نبضي» ثم أغنية «يابنات المكلا» و«شفتا أنا شفتا» التي كتب كلماتها وسواها من الأغنيات للشاعر الغنائي السوري عمر الحلبي.. واللافت أن عبدالفتاح سكر ألبس قصيدة «جس الطبيب» لحناً شعبياً بعد أن راح يعدل بعض كلماتهاويحولها نحو اللهجة البدوية في المنطقة بين العامي والفصيح.. والحق أن فهدبلان أجاد في أدائها وفي منحها تلك الشحنة التعبيرية العفوية التي تنطق بلسان حال شخصيته الغنائية، مستنداً أساساً إلى الجهد الذي بذله عبدالفتاح سكر لتكريس خصوصية اللون الغنائي الذي أخذ ينشر فهد بلان من خلاله.
القاهرة.. المحطة الثانية
كانت المحطة الثانية والمهمة لفهد بلان في الانتشار العربي هي القاهرة، والواقع أنه لم يحظ أي مطرب في أول حفل له بالحفاوة والنجاح اللذين حظي بهما فهد بلان عندما ألتقى جمهور القاهرة لأول مرة في حفلة اقيمت بسينما قصر النيل في عام 1967، فقد تجاوب الجمهور معه منذ أغنيته الأولى «واشرح لها» ثم تصاعد هذا التجاوب في أغنيته الثانية «جس الطبيب» وبلغ التجاوب بينه وبين الجمهور ذروته عندما غنى أغنيته الثالثة «ياسالمة» ومع انتهاء الحفل بدأت الإذاعة والتلفزيون المصريان في إذاعة أغنيات فهد بلان.
وبدأ الشارع يردد اغنياته.. ولحضور فهد بلان إلى القاهرة قصة طريفة يرويها الشاعر الغنائي المصري «محمد حمزة» في زاوية صحفية كتبها عن فهد بلان ضمن سلسلة نشرتها له مجلة «فن» اللبنانية المحتجبة تحت عنوان «أنا والنجوم» يقول محمد حمزة «كنا عبدالحليم حافظ ومجدي العمروسي، وبليغ حمدي وأنا في زيارة خاطفة إلى سوريا لكي يتفق عبدالحليم على موعد عرض فيلمه الجديد في ذلك الوقت «أبي فوق الشجرة» والتقى عبدالحليم بفهد في مكتب أحد الموزعين بدمشق.. وبعد القاء التحية والترحيب.. قال عبدالحليم لفهد : لماذا لاتحضر إلى القاهرة ؟
فرد فهد: قريباً بإذن الله سوف أفعل.. أحس عبدالحليم أن فهد بلان يقول هذا الكلام من دون حماسة.. فقال له كي تبقى ملتزماً بالحضور لابد أن اعطيك «عربوناً» لكي تشترك معي في الحفل المقبل، ثم أخرج عبدالحليم من جيبه جنيهاً مصرياً وقام بإعطائه لفهد وقال له وهو يضحك : «ادي العربون ياسيدي علشان أقدر أضمن مشاركتك».
وأحس فهد بلان أن عبدالحليم يريد مشاركته في حفلته بإصرار، وبالفعل حضر قبل موعد الحفل بأيام، وقام بإجراء البروفات الموسيقية على ألحانه مع الفرقة الماسية التي يجري معها عبدالحليم بروفاته، وقدحضر عبدالحليم معظم بروفات فهد، إذ كانت مواعيد البروفات متتالية، وتحولت مسألة البروفات إلى ساحة للمرح بين عبدالحليم وفهد.. فقد كان يتخللها القفشات بينهما إلى أن جاء موعد الحفل وأصر عبدالحليم على تقديم فهد للجمهور بنفسه، وأيضاً كان عبدالحليم أول من هنأه بنجاحه بعد انتهاء وصلته الغنائية.
صفاء وشجن البداية
رحل فهد بلان في الرابع والعشرين من شهر كانوا الأول «ديسمبر» من عام 1997م وهو نفس التاريخ الذي توفي فيه ابن منطقته الفنان فريد الاطرش، الذي قال لفهد في أول لقاء له في إذاعة دمشق عام 1959م : «عشان تنجح ابعد عن سكتي» وقد فهم فهد بلان النصيحة فأخذ يبحث عن لونه الخاص.. ونجح فيه إلى درجة جعلت فريد الاطرش يلحن له فيمابعد، بمايناسب اللون ذاته ويرسخ حضوره.. جمع فهد بلان في أدائه بين قوة الجبل وصفاء وشجن البادية، واضفى على الكثير من الأغنيات التي أداها حضوره الخاص الذي يفيض بالحيوية والعذوبة والتدفق الانفعالي الحار، والذي يجعل حضوره المسرحي جزءاً لايتجزأ من خصوصية لونه الغنائي وأدائه الفني الطلق الذي يصل إلى ذروة ايقاعية لاتجارى.
فينتشي المستمع وهو يركب مع فهد بلان في «لركب حدك يالموتور» أو هو يروي قصة حبه من على صهوة الحصان في «ركبنا عالحصان» وحتى عندما يشكو في «يوم على يوم» بأنه «غريب يبحث عن الرفقة» فإنه يظل في ذروته الايقاعية يكثف تدفقه وشجنه الانفعالي الآسر.. اليوم يمكن لأي منصف لتاريخ الغناء ان يقرأ صفحة فهدبلان بنجاحاتها واشراقاتها العفوية وعثراتها الارتجالية أحياناً لكنه بالتأكيد لايستطيع ان يتجاوز هذه الصفحة باعتبارها مثالاً للخصوصية والبصمة المميزة.

» سمير صبري وذكرياته مع عبد الحليم - هام
» أقدم الصفارين في بغداد وذكرياته مع عبد الحليم!!!
» الحلاق السوري محمد السحار وذكرياته مع عبد الحليم- هام جدا
» الشاعر السعودي سعود الشربتلي وذكرياته مع عبد الحليم حافظ- هام
» عبد الحليم حافظ يقدم للجمهور المطرب فهد بلان في اغنية الفين سلام