اسرة ومجتمع: أقدم الصفارين في السوق:
أعمالي سر سعادتي وسبب مقاومتي للشيخوخة
بغداد - سعد صاحب
جريدة الصباح العراقية
سوق الصفارين الذي كانت تتدرب به خيول كلية الشرطة على اصوات المطارق العالية،ذات يوم حسب معلومة اقدم الاحياء من العاملين فيه ، حاليا لاتسمع به صوتا الى مطرقة الانادرا ،
هذا السوق الخالد الذي اشتق الفراهيدي من صخب مطارقه ايقاعات بحور الشعر العربي المعروفة.
سوق الصفافير يقع بالجانب الايمن من شارع الرشيد من جهة الميدان ، بداية محلّة باب الاغا، ويمتد حتى يلتقي بسوق البزازين الذي كان منفصلا عنه، واليوم يحتله بالكامل، ما عدا بعض المحلاّت القليلة للصفارين.
الصفارتوفيق جهاد حسين الشيخلي.يعد من اقدم الصفارين العاملين في هذا السوق عمل في مهنة الصفارة منذ ان كان عمره سبع سنوات ومازال، حفلت ذاكرته بالكثير من المواقف الطريفة والاحداث المهمة التي لايمكن ان ينساها كزيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك للسوق والهدايا التي كان يقدمها للفنان فريد الاطرش وعبدالحليم حافظ وغير ذلك من تلك المواقف ،
بعد تجوالنا في سوق الصفافير واستنشاقنا لعبير زمن ازدهاره عندما كان هذا السوق ورغم ضجيج مطارقه واصواته العالية التي اصبحت مضربا للامثال البغدادية قبلة للسواح الاجانب ،انتهينا عند اقد م الصفارين الباقين في هذا السوق انه الحاج توفيق جهاد حسين الشيخلي الذي تجاوز العقد السادس في عمله في هذا السوق ومع هذه الذا كرة الطويلة فتحنا ابوابها بهذه المقابلة :
* كيف كانت بداياتك مع المهنة ؟
- عملت في هذه المهنة مبكرا في عمر (7 سنوات) مع ابي الذي كان صفارا مشهورا ، وتركت المدرسة مبكّرا بسببها ،وكنت استمتع بصخب
اصوات المطارق التي احبّها اكثر من الموسيقى، ونحن عائلة نقوم بصنع التحفيات بايدينا ونصلحها اذا اصابها ضلل، وبالممارسة الطويلة صقلت هذه المهنة النادرة واليوم اعلمها الى ابنائي الذين يساعدونني في العمل.
* كيف كانت صورة السوق ايام زمان؟
تعد فترة ازدهار السوق والتي تسمّى بالفترة الذهبية، من بداية السبعينيات الى الثمانينيات من القرن السابق ،اذ كان السوق مليئا بالسواح والمتبضعين، والناس والمحال تبقى مفتوحة الى العاشرة ليلا، وكانت اضواء شارع الرشيد تبقى ساطعة حتى بدايات طلوع الفجر زبائن السوق كانوا معظمهم من الطبقة الراقية من التجار ورجالات الحكومة وكذلك الطبقة المتوسطة من اطباء، ومهندسين، فنانين، ،واساتذة جامعات،وكان السواح الاجانب ينافسون الزبائن العراقيين،ويزيدون عنهم احيانا ،ياتون من اغلب دول العالم القريبة والبعيدة من ، ايطاليا، فرنسا، المانيا، اسبانيا والدول الاشتراكية، وكنا نتعامل معهم بحسن نية واخلاق راقية ولم نستغلهم لكونهم يجهلون الاسعار الحقيقية لبضائعنا كما يجهلون لغتنا ، بل كنا نتساهل معهم اكثر من اللازم، واحيانا نعطيهم بعض الهدايا التي تمثل حضارتنا ورموزنا العراقية مجانا واعتقد ان اخلاقيات السوق ظلت محافظة على تقاليدها حتى بدايات الحرب العراقية الايرانية ومع بدايات فترة العقوبات الدولية على السلطة السابقة اذ حصل انقلاب شبه كامل في منظومة السلوك الاجتماعي لاغلب العراقيين واثر ذلك بالطبع في انهيار اخلاقيات السوق المتعارفة في العراق.
زيارة الرئيس شيراك
*مواقف لاتفارق ذاكرتك ؟
- من المواقف الذي اعتزّ بها زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى محلّي في نهاية السبعينيات، وكان بصحبته صالح مهدي عمّاش الذي كان سفيرا للعراق في فرنسا انذاك ، وقدمت له هدية كانت عبارة عن صحن من النحاس الاحمر، نقشت بداخله مسلّة حمورابي من عملي الخاص ، اسعدته كثيرا وابدى اعجابه بمهارتي واظهر امتنانه من هديتي ومن ذكرياتي مع المشاهير:
كنت كلما اذهب الى مصر في زيارة احمل معي بعض الاراكيل المختارة للفنان الراحل فريد شوقي، والايقونات المنقوشة عليها آيات قرآنية الى الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، بعد ان اباركها في ضريحي الامام الحسين والشيخ عبدالقادر الكيلاني، كان عبدالحليم يؤمن بهذه الاشياء ويلوذ بها كلما حاصره المرض
*مالذي يجذب السائحين في اعمال الصفار العراقي؟
-عمل النقوش التي نستخدم فيها اثارنا العراقية ورموزنا الحضارية المشهورة مثل: اسد بابل، الملوية، الثور المجنح الاشوري ، النخلة وطاق كسرى، وابتكارات من ابداعاتنا الخاصة، اما اولادي وابناء الجيل الحالي من الصفارين فهم يعتمدون على الكتالوكات الحديثة وما تعرضه الفضائيات من نماذج متمثلة لفنون الشعوب واذواقها ويبقى الابتكار في كل الاحوال الشرط الاساسي بمهارة الصفار.
بالاضافة الى ذلك فان السائح الاجنبي على دراية ببراعة العامل العراقي في مجال الصفارة حيث يمتاز الصفار العراقي بالمهارة العالية والدقة في عمل النقوش، وليس من باب التباهيكي اؤكد كلامي: وجدت نماذجا من مصوغاتي واعمالي الخاصة معروضة في مصر وعمان وبيروت، لاسيما الدلال ، العربية وباسعار غالية جدا ، وانا لي من الخبرة الطويلة التي استطيع من خلالها معرفة بصماتي على اعمالي الخاصة وسافرت الى القاهرة واشتركت في معرض الاعمال اليدوية وفزت بالمرتبة الاولى، واقول لك معلومة: العراق هو الاول في صناعة التحفيات، لان الصفار العراقي مازال حتى اللحظة يعمل بيديه وينقش ويلمع ويعالج الاخطاء بطرق حرفية عالية الجودة ، بينما الصفار العربي الموجود في سوريا ومصر والكويت يعتمد على صناعة المكائن، وهذا ما يفقد اهم خصوصية في العمل والسائح الاجنبي يميز هذه الفروق في اسواق الصفارين في العالم العربي التي يزورها بين فترة واخرى.
* ما هوسر تشبثك بالمهنة طيلة هذا الزمن الطويل وعدم استبدالها؟
- لن استطيع ان اغادرها الا عند حلول موعد مغادرتي للحياة ، انت لاتدرك سعادتي وانا ارقب هذه المصوغات من خلف الزجاجة، سحرها ومقاومتها للزمن وبقائها تمنح الانسان القوة والرغبة في الخلود وتجعله يتحدى الشيخوخة ، وبفضل هذه الفضيات المشعة تراني في قمة الشعور بالسعادة، هنا اتعايش مع التاريخ باكمله ، احجار كريمة، مسبحات، انتيكات هندية، سيوف ايرانية، ساعات وحاجات قديمة من العهد الملكي، حيوانات مختلفة، صناديق العجائز، مزهريات. هذه الجمادات اشعر بها تناديني وتشاركني في همومي ومعاناتي، واجد انها جزء من وجدان الشعوب ومصدر من مصادر اعتزازه هذه المصوغات هي سر سعادتي وهي تروي تاريخ عملي في المهنة وتطوراته منذ البداية حتى يومي هذا ولذا لايعد ماتدره علية المهنة من ارباح السبب الرئيسي في التشبث في مهنتي اكثر من ستة عقود
* متى تنشط الحركة في سوق الصفافير عادة؟
- قديما كانت تنتعش بضاعتنا في موسمي الحج وشهر محرّم، حيث يكون اغلب المشترين من المدن المقدسة اذ يشترون الصحون النحاسية التي تستخدم في طقوس العزاء ، ويشترون الاواني النحاسية الكبيرة التي تستوعب كميات كبيرة من حساء طبيخ يوم عاشوراء ، ولم يقتصر شراؤهم على الاواني فقط، بل يشترون القدور والصحون والاباريق، ومازالت العوائل البغدادية تستخدم الادوات النحاسية ، في الوقت الحاضر، تزدهر مبيعاتنا حاليا في موسمي رمضان والعيد، تقدم هذه المصوغات كهدايا من قبل الاحباء في ما بينهم، تمتاز هذه الاعمال بصفتها التجارية، ولهذا السبب نبيعها باسعار زهيدة، اما المصوغات الراقية والاصيلة والتي بذل فيها جهد فني عال المستوى نبيعها الى رجال الاعمال والميسورين ومن يوصينا بشكل خاص من الذين ياخذونها كهدايا الى العراقيين المقيمين في الخارج .
. انحسار المهنة
* ما هي الاسباب التي ادت الى انحسار مهنة الصفارين؟
- السبب الاول: الضرائب الباهظة التي تفرض على الصفارين تقدر بنحو (4 ملايين سنويا ) على بعض المحال .
السبب الثاني المهنة مرهقة وتتطلب مجهودا عضليا وفنيا عاليا والمردود المادي البسيط الذي يحصل عليه الصفار لايساوي تعبه ومجهوده في هذه المصوغات التي ماتزال تحتفظ بقيمتها لدى القليل من المهتمين بتراث الشعوب.
السبب الثالث: غياب السائح الاجنبي من السوق الذي كان له دور كبير في ازدهار السوق ونشاط حركته.السبب الرابع:
اهمال الدولة الى هذا السوق وعدم زيارته من قبل المسؤولين والاهتمام به،بوصفه واحدا من معالم بغداد الحضارية ومركزا مهما من مراكزها التجارية..
______________________________________________
رابطة العندليب....عش الاسطورة
المنتدى الرسمي لعبد الحليم حافظ
2007/2015
"إلى العندليب.. إلى صوت العرب.. يسعدنا أن نلتف حول صوتك المليء بالشجن.. والعامر بالألحان... في حفل غنائي تقيمه المملكة المغربية".