في الأفلام الغنائية ممثل الدور الثاني كثيرا ما يتفوق على البطل
النّابلسي تفوّق بامتياز على عبد الحليم في خمسة أفلام
بقلم: محمد الكامل
الخميس 26 مارس 2009
مجلة الحرية
تمرّ هذه الأيام الذكرى 32 لرحيل عبد الحليم حافظ ولم تنقطع الفضائيات عن تكرار عرض جلّ الأفلام التي مثلها حتى مجّها البعض وحفظ مقاطع من الحوار ومن الأغاني وهي أفلام متواضعة الأهداف الأدبية والمعنوية أنتجها أصحابها من أجل الربح المادي في نطاق صناعة تقليدية تجاوبت معها مختلف البلدان العربية وساعدتها على الانتشار وعلى البروز الشيء الذي سمح لأهل المغنى من القفز الى الشاشة والتربع على عرش الشهرة.. ونجح أصحاب الجرأة والمقدرة في خوض مغامرات طويلة المدى واذا طُبع ذلك الانتاج بتواضع المواضيع وبمحدودية الانجاز التقني فإن الأيام منحته قيمة معنوية عالية أمام التدهور الحالي الذي يجتازه الميدان الفني بصفة عامة في السنوات الأخيرة فإذا أدخل الغربيون تحسينات شيطانية على آلات التصوير وتسجيل الصوت وتنفيذ مشاهد الخداع فشلوا في اختراع حبّات تطوّر ذكاء البشر وتزرع فيهم الميل الى الاجتهاد والى الابتكار.. وأمام هذا التدهور المعنوي في الامكان فهم مواصلة مشاهدة أفلام أنجزت في الخمسينات وما قبلها وحسب مفاهيم كانت متداولة في ذلك العهد، إذ يجد فيها المرء تلقائية في التمثيل وأجواء عامة للترفيه.. وفيما يخص الأفلام التي ظهر فيها عبد الحليم حافظ لا يمكن غض الطرف عن الممثل الذي يقوم بدور المساند للبطل والذي يتقاسم دور البطولة مع الممثل الأول إذ لا يخفى أن المخرجين يعمدون الى اضافة هذا الدور الفرعي حتى يتمتن دور البطل خاصة اذا كانت القصة متواضعة تعتمد الصدف واللقاءات المصطنعة وهذا عادي جدا في الأفلام الغنائية فاسماعيل ياسين ساند محمد أمين ومحمد فوزي وفريد الأطرش وعبد السلام النابلسي ساند منير مراد وسعد عبد الوهاب وفريد الأطرش وماهر العطار وشكوكو ساند كارم محمود وعبد العزيز محمود وشادية وفي بعض الأحيان يحيطونهم بمجموعة من الممثلين الهزليين مثل حسن فايق وعبد الفتاح القصري وثريا حلمي وماري منيب وزينات صدقي ووداد حمدي وسعاد مكاوي.. وذلك لادخال أجواء من الانشراح على قصة تشكو في الأصل من فقر خيال كاتب سيناريو أنهكته الأيام واللهث وراء تلفيق أحداث لجمهور جاء لينفعل مع تطورات ساذجة لمواقف ارتكزت على الغناء وعلى حلول بسيطة تدور في فلك الخير والشرّ ولا بأس أن تكون النهاية سعيدة حتى يسعد المتفرّج الذي يتصوّر أن تلك الشاشة ماهي إلا امتدادا لما يعيشه البشر في الحياة.. هناك سعادة لا مثيل لها في السباحة في الخيال والتشبث بذلك المنظار الوردي ولو لحين مواجهة الواقع وفي بعض الأفلام يتفوق الممثل الثانوي على البطل الذي يسند إليه الدور الأول خاصة اذا كان مبتدئا في التمثيل ولكن سبقته شهرة في عالم الغناء.. ومن هؤلاء الذين فرضوا وجودهم في أفلام لأسماء لامعة نجد عبد السلام النابلسي الذي كان بلا منازع من أشهر الذين تقمصوا الأدوار الثانوية ونحاول تسليط الأضواء علي مجموعة الأفلام التي ظهر فيها الى جانب عبد الحليم حافظ.
سبب مساندته لعبد الحليم
بدأت رحلة عبد السلام النابلسي مع السينما سنة 1929 في شريط بعنوان «غادة الصحراء» ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف عن النشاط السينمائي الى أن غادر مصر سنة 1962 بسبب خلاف حاد مع إدارة الضرائب وواصل عمله في السينما في سوريا ولبنان وانتهى من تصوير آخر أفلامه اللبنانية في أواخر شهر جوان 1968 بتونس وتوفي يوم 5 جويلية 1968 ببيروت.
وتقلب خلال هذه المسيرة الطويلة في مختلف الأدوار الثانوية لعل أبرزها تقمّصه لأدوار الشر ومدرب للرقص ورفيق البطل وخاصة الأدوار الهزلية التي برز فيها وجلبت له الأنظار وحققت له شعبية واسعة.
ففي سنة 1955 عند ظهور عبد الحليم حافظ في السينما كان النابلسي ظهر في عشرات الأفلام مع أشهر المخرجين ومع ألمع الممثلين بل وفي نفس السنة ظهر في «نهارك سعيد» مع منير مراد و«اسماعيل ياسين في الجيش» و«عهد الهوى» مع فريد الأطرش و«مدرسة البنات» مع كمال الشناوي ونعيمة عاكف و«الحبيب المجهول» مع ليلى مراد وحسين صديقي و«ثار بايت» مع كارم محمود و«بحر الغرام» مع رشدي أباظة و«ليالي الحب» أول لقاء مع عبد الحليم ليستمر في أربع مناسبات أخرى وكاد أن يصل الى الخامسة في «معبودة الجماهير» لولا خروج النابلسي مضطرا من مصر هربا من تعسّف إدارة الضرائب واضطرّ المخرج حلمي رفلة الى إسناد الدور الى فؤاد المهندس وهنا يمكن للقارئ أن يتخيل الفرق الشاسع بين الممثل العنصري فؤاد المهندس وبين صاحب الأخلاق الدمثة عبد السلام النابلسي في أداء ذلك الدور.
أما عن سبب اختيار عبد السلام النابلسي للقيام بدور صديق البطل أي عبد الحليم تذكر مجلة «الفن» المصرية في الذكرى الواحدة والعشرين لرحيل عبد الحليم أن حلمي رفلة منتج ومخرج شريط «ليالي الحب» اقترح في البداية اسماعيل ياسين الذي كان في قمة الشهرة في ذلك الوقت لكن عبد الحليم رفضه بلباقة لأن اسماعيل ياسين كان البطل الوحيد في أفلامه وخشي عبد الحليم حسب رواية المجلة من أن يؤثر ظهوره على مكانته التي كانت تتحسّس طريقها في الميدان السينمائي خاصة وأن السيناريو كان ضعيفا يعتمد على الأغاني وعلى أداء صديق البطل ثم ان عبد السلام النابلسي اشتهر بأداء مبتكر ينسجم مع شخصية عبد الحليم الهادئة الخجولة.. ويظهر حسب المجلة أن حلمي رفلة رضخ لطلب عبد الحليم بعد ان وجد صعوبة في التعاقد معه اذ كان رفضه قبل سنتين حين بدأ عبد الحليم يلمع في عالم الأغنية وقيل أن حلمي رفلة قال متهكما (إن هذا الشاب لا يصلح للسينما..)!! وهذا حسب ما جاء في مجلة «الفن» المصرية في عدد شهر مارس 1998.
ليالي الحب:
ثالث أفلام عبد الحليم عرض لأول مرة يوم 15 أكتوبر 1955 أي بعد عرض «لحن الوفاء» و«أيامنا الحلوة» كتب القصّة اسماعيل الحبروك وكان ألف عدّة أغاني وصاغ الحوار أبو السعود الأبياري وتولى وضع السيناريو حلمي رفلة وهو المخرج والمنتج واشترك في الاعداد السينمائي علي الزرقاني وحسن توفيق أي أن المنتج حاول تقديم شريط متماسك وجيّد من زاوية فرضه على الجمهور لأن أبطاله لا ينتمون الى أسماء يمكن الاعتماد عليها في الاشهار الشعبي، فهناك عبد الحليم الذي بدأ يظهر والبقية كلهم اشتهروا في الأدوار الثانوية مثل عبد السلام النابلسي وآمال فريد وسراج منير وعزيزة حلمي وصلاح نظمي.. وحين نشاهد الشريط نجد أن عبد السلام النابلسي كان يقود خطوات زميله الذي من المفروض أن يكون الأول في توجيه الأحداث، بل ظهر خجولا متردّدا خائفا وهنا قفز عبد السلام الى الدور الأول بدون أن يترك الفرصة لزميله في التدارك حتى عندما يغني وقد ترجمها لحن محمود الشريف «يا سيدي أمرك» التي لخصت حيرة وتورط عبد الحليم في ألاعيب صديقه حين قال (.. الله يجازي اللّي كان السبب..) فهو الذي دفعه الى تقديم الاختراع الى المدير العام وهو الذي نصحه الى التوجه الى بيت المسؤول الأول وأرغمه على مواصلة الظهور كإبن عائلة ثرية وعلى الذهاب الى فندق كبير والتخلص من ملابسهما المتواضعة والبقاء بلباس الاستحمام وتغيير رسالة الاعتذار الى رسالة غرام محمومة العبارات.. وهكذا نجد أن النابلسي يبقى المحرك الوحيد للأحداث وعبد الحليم الى جانبه يتصرف على الهامش للافلات من المواقف المحرجة حسب تعليمات صديقه الذي يواصل مغامراته الجريئة واذا غنى عبد الحليم ـ كفاية نورك عليّ ـ وأقول ما أقولش ـ وحلفني بأي يمين ويا سيدي أمرك، فإن عبد السلام النابلسي يخطط ويقود الأحداث.
فتى أحلامي:
ويمضي عبد الحليم في السينما بسرعة اذ تتوالى أفلامه منذ «ليالي الحب» سريعة وعديدة وظهر على التوالي في فترة قصيرة في «أيام وليالي» و«موعد غرام» من اخراج بركات و«دليلة» لمحمد كريم و«بنات اليوم» لبركات و«الوسادة الخالية» لصلاح أبو سيف ليعود الى المنتج والمخرج حلمي رفلة في شريط «فتى أحلامي» من تأليف يوسف جوهر وسيناريو واخراج حلمي رفله وصاغ الحوار أبو السعود الابياري وفي هذا الشريط يقدم المنتج وجها نسائيا جديدا اسمها منى بدر مع عبد الحليم والنابلسي وحسن فايق وعبد المنعم ابراهيم وميمي شكيب وودادي حمدي أي كعادة حلمي رفلة في التعامل مع الممثلين اختارهم بعيدا عن الشهرة المطلقة وهذا أسوأ الأفلام التي ظهر فيها عبد الحليم فالقصة ساذجة بعيدة عن المنطق البسيط وتم انجاز الشريط بسرعة ليظهر يوم 22 ديسمبر 1957 في خضم أفلام نهاية السنة التي تشهد عادة اقبالا لا بأس به وكان النقاد بالمرصاد لهذا الفيلم واعترف الجميع برداءته المتناهية من جميع الزوايا بل لا يعدو أن يكون سلسلة من المشاهد المتنافرة التي أدخل عليها شيئا من الحيوية عبد السلام النابلسي ولو أن جلّها يبقى بعيدا عن المنطق السليم مع الملاحظة أن حلمي رفلة لم يكن مقبولا عند النقاد فالسينما عنده كانت مشاهد متصلة بعضها بالبعض.. وفي «فتى أحلامي» نجد النابلسي منافسا لعبد الحليم في العبث والمغامرات ولكن حب قريباتهما وحدّ بينهما في مواجهة المصاعب والغريب أن جميع من اشترك في هذا العمل اعترف برداءته بمن فيهم المخرج ومدير التصوير وعبد الحليم.
شارع الحب:
وبعد هذا الفشل سارع حلمي رفلة الى الاستعداد لانتاج شريط جيد مع عبد الحليم ولكن بدون أن يقوم بمهمة الاخراج.. اختار قصة ـ دقي يا مزيكا ـ ليوسف السباعي الذي قام بصياغة السيناريو وأسند الاخراج الى عزالدين ذو الفقار الذي كان يلقب بشاعر وراء الكاميرا وأسند أدوار البطولة الى عبد الحليم وصباح وعبد السلام النابلسي وزينات صديقي وحسين رياض وحسن فايق وعبد المنعم ابراهيم ورياض القصبجي.. أي مجموعة من ألمع نجوم تلك الفترة بل ويُقال أنها المرة الأولى التي تظهر فيها نجوى فؤاد في السينما وهي ترقص على أنغام «أبو عيون جريئة» ولأسباب تجارية تمّ تغيير عنوانه الى «شارع الحب» وعرض يوم 13 أكتوبر 1958.. ونكتشف أن حسين رياض قام بدور قصير في حين بقيت أكبر مساحة للظهور لعبد السلام النابلسي ـ حسب الله السادس عشر ـ صاحب فرقة شعبية توارثت الموسيقى عبر الأجيال وهو الذي يخطط ويقرّر لتلك الموهبة الغنائية التي اكتشفها وتصل به التضحية الى حدّ الزواج من غريمته في ذلك الحي الشعبي (ترتر) وتبقي المواجهة بينهما من أطرف مشاهد الشريط رغم الأغاني اللطيفة لعبد الحليلم مثل: نعم أو بالليالي واثر مشاهدة الشريطة تبقى مشاهد النابلسي راسخة في الأذهان.
حكاية حب:
وبعد شهور قليلة ظهر «حكاية حب» ويعتبر حسب البعض ملخصا لمعاناة عبد الحليم مع المرض ففكرة الفيلم للمخرج حلمي حليم حوّلها الى سيناريو علي الزرقاني واشترك في الانتاج عبد الحليم وتقمص أهم الأدوار الى جانب عبد الحليم كل من مريم فخر الدين وفردوس محمد وعبد السلام النابلسي ومحمود المليجي والطفل أحمد يحيى الذي أصبح مخرجا..
ونجد مرة أخرى أن الوحيد الذي سيلمع الى جانب البطل عبد السلام النابلسي الذي سيقود خطوات صديقه نحو المجد.. وبالفعل تصور القصة فنانا مبتدئا مغمورا يقع في غرام فتاة من أسرة ثرية ويقف عاجزا عن مسايرة عواطفه وهو فقير عاطل عن العمل ولكن صديقه يدفعه دفعا وبقوة نحو الطموح ونحو المجد ويقنعه أن الصعود الى الأعلى يتطلب الجرأة والاندفاع وهكذا نجد عبد الحليم يتردد ويخاف والنابلسي يدفعه الى الأمام وحين تسأله المذيعة عن مكان الاقامة يرشدها الى أشهر فندق في القاهرة ويقول أن أستاذه الذي علمه أصول الموسيقى وحين يتهرب من ملاقاة الفتاة يحدّد لها موعدا.. كان دور محمود المليجي هامشيا وتحتفظ ذاكرة المتفرج بالأغاني وبالمشاهد التي ظهر فيها النابلسي عرض «حكاية حب» يوم 6 أفريل 1959.
يوم من عمري:
قيل إن هذا الشريط أنتجه صبحي فرحات لزوجته زبيدة ثروت وأخفى مؤلف القصة يوسف جوهر أنه اقتبس الأحداث من فيلم أمريكي معروف من بطولة غريغوري بيك وأودي هيبرن.. تولى الاخراج عاطف سالم وتقاسم أهم الأدوار الى جانب زبيدة ثروت كل من عبد الحليم وعبد السلام النابلسي وسهير البابلي وزكي طليمات ومحمود المليجي.. ويروي الشريط قصة فتاة ثرية تهرب من أهلها الذين يريدون تزويجها قهرا من شخص لا تحبّه وتضعها الصدف في طريق صحفي وزميله المصور يعطفان عليها وهما يجهلان حقيقتها ويتمّ التقاط عدّة صور للفتاة في وقت رصد فيه والدها مكافأة سخية لمن يدل على مكانها ويلازم عبد السلام النابلسي عبد الحليم كظلّه في مختلف المواقف ويصل ذروة التفوّق حين يغضب رئيس التحرير محمود المليجي على المصور النابلسي الذي يتصرف بعشوائية وهو يحتج على الاهانة وعلى الشتائم وينفجر عبد الحليم ضاحكا بالرغم عنه.. كان دور المليجي قصيرا وكذلك دور زكي طليمات في حين ارتكزت الأحداث على عبد الحليم والنابلسي الذي أشاع الكثير من المرح على الأحداث وبقي كعادته المحرّك الأول للمغامرات والمصرّ على مواجهة المصاعب عرض «يوم من عمري» يوم 17 مارس 1961 وحالت وضعية عبد الحليم الصحية ليشاركه بطولة «معبودة الجماهير» الذي توقف تصويره عدّة مرات.. ورغم أن عبد السلام النابلسي يتفوق في جلّ المشاهد مع من يظهر معهم إلا أن المنتجين يصرون اسناده الأدوار الثانوية..
______________________________________________
رابطة العندليب....عش الاسطورة
المنتدى الرسمي لعبد الحليم حافظ
2007/2015
"إلى العندليب.. إلى صوت العرب.. يسعدنا أن نلتف حول صوتك المليء بالشجن.. والعامر بالألحان... في حفل غنائي تقيمه المملكة المغربية".