فريد الأطرش.. بلا نظير ولا خلفاء!
بقلم: محمد صالح
35 سنة مرت علي رحيل الموسيقار المطرب فريد الأطرش يوم26 ديسمبر, وهي مناسبة دائرية يستحسن معها تأمل عبقرية لحنية غنائية بلا نظير. كان ظهور فريد الأطرش كمطرب وملحن في بداية ثلاثينيات القرن الماضي متزامنا تقريبا مع ظهور محمد عبدالوهاب.
وقد اعطاه الناس أسماعهم لملامح شديدة الخصوصية في صوته المتميز بشجن وأسي مع حلاوة وعذوبة. كما أن أغانيه كانت تعتمد علي موهبته في التلحين, وهو ما ضمن له النجاح المتواصل.. وبذلك اصبح فريد الأطرش هو الصوت الوحيد الذي صمد في المنافسة أمام عبدالوهاب لعدة سنين, خاصة أنه كان في بدايته أكثر ميلا للتجديد من عبدالوهاب وذلك باقتباسه من الألحان الغربية ولكنه كان يكسوها باطار شرقي عربي خالص. وهو ما دفع معاصرين لتلك الفترة الأولي من شباب فريد وعبدالوهاب إلي القول بأن الأول قد استطاع أن يجتذب جمهورا أكبر مما استطاعه عبدالوهاب, وهو ما دفع عبدالوهاب إلي التوسع في اقتباس الألحان الأوروبية سعيا إلي ابهار المستمع بالتجديدات المستمرة في ألحانه.. وبذلك استطاع أن ينال المرتبة الأولي في استفتاء أجرته مجلة فنية شهيرة أيامها عن المطرب المفضل. وجاء فريد الأطرش في المرتبة الثانية. وهو مادفع فريد الأطرش إلي تركيز جهوده في الغناء لأفلامه السينمائية الاستعراضية ويصبح فارسها الأول وذلك بتقديم أوبريتات غنائية بين الشعوب العربية, بينما واصل عبدالوهاب حريته في تجديد الموسيقي العربية.
إذا كان التنافس غير المعلن بين عبدالوهاب وفريد قد انتهي بعد أن سيطر التجديد الوهابي علي فن الموسيقي والغناء واصبح للطابع الوهابي مدرسة واسعة الانتشار, فقد وجد فريد الأطرش نفسه في منافسة من نوع جديد مع مدرسة عبدالوهاب. فقد كان فريد الأطرش يقدم حفلا غنائيا ساهرا بمناسبة الربيع, وفيه كان يغني واحدا من أشهر ألحانه[ ادي الربيع عاد من تاني] وبعد أن تألق نجم عبدالحليم حافظ, ونال جماهيرية كبيرة, اصبح يقيم حفلا بمناسبة عيد الربيع, ومع أن مصريين آخرين في هذا الزمان الذي كان يزخر بالعديد من أصحاب الأصوات الجميلة كانوا يقيمون حفلات بمناسبة الربيع, فإن فريد الأطرش لم يشعر بالضيق إلا من الحفل الذي يقيمه عبدالحليم خاصة عندما أعلن في إحدي السنين أنه في نفس اليوم الذي سيقيم فيه فريد حفله, وهو ما استدعي التدخل ليغير احدهما موعد حفله, وهو ما سبب ضيقا لفريد بسبب حساسيته الشديدة واعتزازه بنفسه, وعقب تلك الزعلة الاخيرة سافر إلي لبنان, وكان قد اعتاد ان يكثر من السفر إليها أخيرا, خاصة بعد أن باع عمارته المطلة علي نيل الجيزة قريبا من شيراتون القاهرة, وقد حرصت عام1969 وكنت اقوم بتغطية احياء أم كلثوم لمهرجان بعلبك الغنائي لمصلحة المجهود الحربي, علي زيارة فريد الأطرش للاطمئنان عليه عقب أزمة صحية, حيث كان مريضا بقلبه ومعي محامي الفنانين الصديق لبيب معوض. وكم كان فريد عفيف اللسان شديد التهذيب وهو يقول: عبدالحليم حافظ هو أخي الصغير وأحبه كأنه شقيقي. ومنهم لله الذين كانوا يوقعون بيننا ويأتي فريد لزيارة مصر وأصدقائه ويشعر بأزمة صحية فيسافر إلي لندن ليعالج قلبه. ويتحسن ويسافر إلي بيروت وبها يعاوده المرض فيدخل المستشفي ويتوفي بها يوم26 ديسمبر1974, وليجري نقله إلي القاهرة بناء علي وصيته ليدفن إلي جوار شقيقته أسمهان في البساتين