"في يوم وليلة"... رحلت وردة
داني حداد
الجمعة 18 أيار 2012
"أنا اللي بينكم هنا، رضيت بالعذاب، لحدّ ما قلبي داب، ولا دقت يوم هَنا. وأنا يا ما تحمّلت أنا، قاسيت ولا اشتكيت، ولا جيت في يوم بكيت، مِنّو لِكم هِنا أنا. لا العتب حَيشفي جراح ولا حيجيب اللي راح، دي حكايتي مع الزمان".
لوّنت وردة أيّام عشق كثيرين. غنّى العشاق لبعضهم "شعوري ناحيتك" وحلّ صوتها كوسيطٍ بين أحبّاء، فتونّسوا بها. ما من موقفٍ بين حبيبين إلا وتحضر فيه أغنية للسيّدة الجزائريّة التي لطالما وحّدت العرب. وحّدتهم على العشق، بما فيه من لوعة وحنين وبكاء وفرح...
غابت وردة مساء أمس. أتى إعلان الخبر خجولاً في البداية، كأنّ من نقله لم يكن يصدّقه بعد أن كثرت الشائعات التي لاحقتها في الآونة الأخيرة، مرضاً أو وفاةً. لكنّ السيّدة التي صنعت أغنياتها خفقات قلوب العشاق العرب طوال عقود، مشرقاً ومغرباً، خانها قلبها فجأة، وهي بعد مصرّة على مواصلة عطائها الفنّي على الرغم من بلوغها الثانية والسبعين من العمر.
رحلت مغنية "إسمعوني"، إلا أنّنا سنظلّ نسمعها في القلب والأذن، صوتٌ لا يشيخ بل ينبض حبّاً. هو القلب توقّف أما الصوت فها هو يصدح "وحشتوني"...
وفي ما يلي مختصر من سيرة الفنّانة الراحلة التي تناقلها بعض وكالات الانباء:
توفيت أميرة الطرب العربي الفنانة وردة الجزائرية إثر سكتة قلبية مفاجئة ألمت بها أثناء نومها في منزلها بالقاهرة، عن عمر ناهز 72 سنة. وأكد التلفزيون الرسمي الجزائري خبر وفاة الفقيدة، وأمر الرئيس بوتفليقة بدفن جثمانها بالجزائر.
وقال الإعلامي المصري وجدي الحكيم إنّه تمّ التنسيق مع السفير الجزائري في القاهرة وابنها رياض في الجزائر على أن تبدأ مراسم الجنازة بعد صلاة الجمعة من مسجد صلاح الدين في حي المنيل بالقاهرة، حيث تؤدى الصلاة عليها ثم يتوجه الجثمان إلى مطار القاهرة في طريقه إلى الجزائر لتدفن هناك.
وقد سادت حالة من الحزن العميق إثر إعلان وفاتها بين محبيها سواء الجزائريين أو العرب، وظل خبر وفاتها مثار جدل منذ أيام، حيث تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبر وفاتها، غير أن مصادر من عائلتها بالجزائر نفت الأمر ووصفته بـ"الشائعة".
وكان آخر عمل بارز لدى جمهور وردة في الجزائر تأديتها أغنية "مازال واقفين"، وهي أغنية دعائيّة تمّ بثها على نطاق واسع قبيل الانتخابات البرلمانيّة.
وقبل ذلك، أعلن نجل الفقيدة أنّها تستعد لتسجيل "فيديو كليب" جديد في الجزائر، سيكون مفاجأة لجمهورها في جميع أنحاء الوطن العرب بكل المقاييس.
ووردة مطربة جزائريّة وُلدت في فرنسا 22 تموز 1940 لأب جزائري وأم لبنانية من عائلة بيروتية، ولها طفلان هما رياض ووداد.
وغنّت في بداياتها في فرنسا وكانت تقدّم الأغاني للفنّانين المعروفين في ذلك الوقت مثل أم كلثوم وأسمهان وعبدالحليم حافظ، ثم عادت مع والدتها إلى لبنان وهناك قدّمت مجموعة من الأغاني الخاصّة بها، وكان يُشرف على تعليمها في فرنسا المغنّي الراحل التونسي الصادق ثريا.
ووفق بعض الأصداء، فقد تأثرت الفقيدة وردة بالانتقادات التي وجّهها لها بعض الفنانين العرب مؤخراً، ورداً على ذلك صرّحت وردة الجزائرية بتحدٍّ كبير بأنها "لن تتوقف عن الغناء ما دامت قادرة على العطاء حتى لو اضطرّها الأمر إلى الغناء من دون مقابل".
وأضافت في تصريحات غاضبة أنّها "ستظل تغنّي إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة"، مشدّدة على أن "انتقادات البعض لها لن تؤثر عليها وتجعلها تتوقف عن مسيرتها الفنيّة، بالإضافة إلى أن الغناء بالنسبة لها هو الحياة، وأن الجمهور بالنسبة لها هو الهواء الذي تتنفسه وتعيش بفضله"، على حد قولها.
برزت الفنانة وردة الجزائرية بسفرها إلى مصر، حيث احتكت بكبار الفنانين والملحنين، وكان ميلادها الفني الحقيقي في أغنية "أوقاتي بتحلو" التي أطلقتها في عام 1979 في حفل فني مباشر من ألحان سيد مكاوي. وكانت السيدة أم كلثوم تنوي تقديم هذه الأغنية في عام 1975 لكنها ماتت، لتبقى الأغنية سنوات طويلة لدى سيد مكاوي حتى غنتها وردة.
كما تعاونت وردة الجزائرية مع الملحن محمد عبدالوهاب. وقدمت مع الملحن صلاح الشرنوبي العمل الشهير "بتونّس بيك".
واعتزلت الغناء سنوات بعد زواجها، حتى طلبها الرئيس الجزائري هواري بومدين كي تغنّي في عيد الاستقلال العاشر لبلدها العام 1972، بعدها عادت للغناء، فانفصل عنها زوجها جمال قصيري وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري.
وعادت وردة لاحقاً إلى القاهرة، وانطلقت مسيرتها من جديد وتزوّجت الموسيقار المصري الراحل بليغ حمدي لتبدأ معه رحلة غنائية استمرت رغم طلاقها منه سنة 1979.
وشاركت وردة الجزائريّة في الكثير من الأفلام منها "ألمظ وعبده الحامولي" مع عادل مأمون، ومع رشدي أباظة "أميرة العرب" و"حكايتي مع الزمان"، وكذلك مع حسن يوسف في فيلم "صوت الحب" وكان أول أفلامها السينمائيّة بعد عودتها من الجزائر.
وتحظى الفقيدة وردة، التي خضعت مؤخراً لجراحة لزرع كبد جديد في المستشفى الأميركي في باريس، بتقدير واحترام كبيرين على المستوى الشعبي والرسمي في بلدها، حتى غدت أيقونة الاحتفالات الوطنيّة في الجزائر.