فى مجلة(صباح الخير)المصرية(كلنا نعرف أن(عبد الحليم)كان مريضا بدوالى المرىء وأن النزيف كان يهدد حياته بالموت 00الذى اختاره-أخيرا-منذ تسعة عشر عاما00ولكننا لم نعرف كيف كانت علاقته بهذا المرض وكيف كان يحيا لحظاته وماذا كان يفعل أثناءه00اما الراهبة(ايتالا بيناتو)فهى تعرف لأنها الممرضة الوحيدة التى كان يختارها لترعاه وتمرضه لمدة عشر سنوات00التقينا بها قبل عودتها لايطاليا بيوم واحد 00حول(عبد الحليم)وذكرياتها معه 00وصورة له عن قرب فى لحظات مرضه00وأنا أدق باب الدير الذى تسكنه بالزمالك كنت أحاول أن ارسم صورة لملامح تلك الممرضة التى كان يفضلها(عبد الحليم)وكانت الصورة مختلفة تماما 00فى نهاية الستينات من عمرها تميل للقصر والامتلاء مرحة وخفيفة الروح أما جمالها فيخطف البصر من شدة تواضعها وابتسامتها الحنون التى لا تغيب00راهبة ايطالية أرسلتها رهبانيتها للخدمة فى مصر منذ خمس واربعين سنة وعملت بمستشفى العجوزة ثلاثا وثلاثين سنة كاملة تعرفت خلالها على(حليم)الذى كان يتردد على المستشفى لوقف النزيف00وأتركها تقول بلغتها العربية(المكسرة)00000أنا راهبة لم أعرف فى البداية من هو(عبد الحليم)هذا وان كنت أفهم أنه شخصية هامة من كثرة الرسائل والتلغرافات والتليفونات التى كانت باستمرار تسأل عنه هذا غير بوكيهات الورد التى كانت تملأ المستشفى من البوابة لجميع الطرقات 00بطريقة عجيبة فكنت أتساءل ألهذه الدرجة هو شخص مهم و محبوب؟حتى عرفت كل شىء عنه من الممرضات المصريات فأدركت سر هذا الحب العجيب 00000ألتقط من كلامها ماذكرته بأن جهلها بشخصه -فى البداية-كان مريحا له فتقول طبعا 00لأنه شعر بأن هناك من يحبه ويرعاه ويهتم به لنفسه كانسان وليس لأنه فنان صوته جميل وتستطرد:كان حال المستشفى (ينقلب)بمجرد حلوله به وفجأة نجد اقبال الناس من كل الجهات والأعمار وخاصة البنات وجميعهم يودون الصعود لحجرته أما الشباب فكانوا يتسلقون السور ولاأذكر كم عدد (الخناقات)والمشاجرات التى كانت تحدث بين الجمهور وادارة المستشفى وأيضا كانت الممرضات مشغولات به اللاتى كن يتعرضن للجزاءات وزملاؤه وزميلاته فى الفن فكانوا يترددون عليه وكنت لا أعرفهم الا من الممرضات المصريات وحاليا لا أتذكر الا (شادية)و(نجلاء فتحى)(حلوين كده00وجميلات)-كما تقول 000اسألها ان كانت شخصية نسائية معينة تتردد عليه فتقول:أنا لم أر أحدا ولم أسمع-أيضا-عنه شيئا كهذا 00ابدا طوال معرفتى به كان قليل الكلام مهذبا وذوق جدا لا تسمعين منه الا(شكرا)(ميرسى)(ربنا يخليك)أما الكلمة التى كانت على لسانه دائما حتى فى احلك وأصعب حالاته فهى(الحمدلله أشكر ربنا أنها جاءت على كده)ولم يتمرد على مرضه ابدا ولم ينقلب ضده بل تعلم أن يتعايش معه 00كان بسيط ومميز وشيك وكان يحمل معه الكاسيت الخاص به والكتب والمجلات والأقلام الشيك 0000ماأهم ذكرياتك الشخصية معه؟-00أذكر أن نومه كان خفيفا جدا فحينما كنت أمر لأطمئن عليه 00كان يستيقظ فأسأله ازيك نمت كويس ؟عايز حاجة؟ فكانت دائما ابتسامته تسبقه وهو يرد(الحمد لله)أنا عارف ان قلبك معايا وانك عايزة تساعدينى عشان أخف كتر خيرك بس أنا عايزك تصلى عشانى وأتذكر أنه كان مريضا للغاية ودخلت حجرته قبل موعد قداس السادسة 00الذى أذهب لأصليه ففوجئت أنه يعرف مواعيد صلواتى وقال لى(صلى لى أنا أول واحد) هكذا كان يتألم فى صمت ولم تكن شكواه الا مزيدا من الصبر 00أما بخصوص ارتباطه بها كممرضة -تقول الأخت (ايتالا):أنه كان يرفض دخول أى ممرضة الا فى وجودى 00ربما كان يشعر بالراحة معى00لا أعرف000وكان الممرضات يقولون لى:يا بختك عبد الحليم بيحبك أنت داخلة وطالعة عليه وهو مش عايز حد غيرك 000000الم يزعجك هذا الكلام كراهبة؟-00لا00لا فأنا وكل اخواتى الراهبات والممرضات والممرضين معتادون على سماع هذا الكلام وعبد الحليم كان مثل معظم المصريين يحبون الراهبات ويستريحون للتعامل معهن حت أنه اعترافا بالجميل تبرع لبناء كنيسة العذراء بالمعادى مثلما كان يتبرع للمساجد كما سجل شكره على لوحة رخامية للقديسة(تريزا)بكنيستها فى(شبرا)لأنها ساعدته فى احدى أزماته المرضية 00000وتختتم(ايتالا)ذكرياتها بأنه كان متواضعا رقيقا كالنسمة 00رغم شدة مرضه كما لم تكن له طلبات كثيرة سوى أن يغادر المستشفى سريعا و000أترك الأخت (ايتالا) لتعد حقائبها للسفر الى بلدها التى تحمل اسمها(ايطاليا) أما هى فودعتنى قائلة
الله يرحمه الدنيا كلها كانت بتحبه))